الخبريّة إذا صدرت عن نائم أو مريد للإنشاء كقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ )(١) إذ لا يصدق عليها حينئذ أنّها خبر جزما.
المرحلة الثانية : في تحقيق الحال على التقدير الثاني ، فقد اتّضح حكمها ممّا سبق أيضا ، فإنّ صدق « الأمر » حينئذ يتوقّف على تحقّق الطلب المستلزم لإرادة المطلوب مع سائر القيود المعتبرة فيه ممّا تقدّم بيانها مفصّلا ، ولكن يكفي في الحكم بتحقّقه ظهور ما يستعمل لإفادته من فعل أو قول ولو بمعونة قرينة حال أو مقال أو نحوه ، فمفاد قوله تعالى ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ )(٢) و ( الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ )(٣) أمر حقيقة وإن لم يصدق « الأمر » على لفظه ، إذ ليس مدار الصدق عندنا وجودا وعدما على لفظ دون آخر كما تقدّم.
وقضيّة ذلك عدم صدقه على مدلول ما هو خاصّ بالطلب من الألفاظ باعتبار الهيئة أو المادّة أو هما معا ، فيما لو قام قرينة على عدم إرادته وعدم تحقّق شيء من سائر قيوده المعتبرة معه في صدق الأمريّة.
[ الأمر ] الرابع
ذكر بعض الأعاظم هاهنا نزاعا آخر في أنّ « الأمر » هل له صيغة تخصّه أو لا؟ نظير ما سيأتي إن شاء الله في بحث العمومات من نزاعهم في أنّ العامّ هل له صيغة تخصّه أو لا؟ فنقل أقوالا ، ثالثها : ما عن بعضهم من أنّ هذه الترجمة خطأ ، فإنّ « أمرتك » و « أنت مأمور » صيغة خاصّة بالأمر من غير منازعة.
ثمّ أورد عليه : بأنّ هذا أولى بالتخطئة بل خطأ قطعا ، تعليلا بأنّ المقصود بالعنوان أنّ في لغة العرب هل يجد لفظ يكون مصداقا للأمر بالوضع.
ولا ريب أنّه ممّا يقبل النزاع بل محلّ خلاف بالفعل ـ إلى أن قال ـ : فالأظهر نعم ، لكون المتبادر من الصيغة كونها أمرا ، وسائر ما يستعمل فيه ممّا يأتي غير ما وضع هو له ، فضلا عمّا قال السكّاكي من أنّ إطباق أئمّة اللغة على إضافة نحو « قم » و « ليقم » إلى « الأمر » بقولهم : « صيغة الأمر » و « مثال للأمر » و « لام الأمر » دون أن يقولوا : « صيغة
__________________
(١) الواقعة : ٧٩.
(٢) البقرة : ٢٣٣.
(٣) البقرة : ٢٢٨.