بالصلاة ، بل الوضوء لأجل الاستباحة لا يعقل انفكاكه عن قصد الامتثال بالصلاة.
واستدلّ عليه : بأنّ القصد الّذي يعتبر في المأمور به حينما يتصوّر مقيّدا بكون الإتيان به مقرونا بقصد الامتثال إنّما يعتبر فيه بالعنوان الّذي امر به بذلك العنوان ، ومن المعلوم أنّ عنوان المأمور به في الواجب الغيري عنوان مقدّمي لا يتعلّق به غرض إلاّ التوصّل به إلى الغير ، فقصده عند الإتيان به بهذا العنوان لا ينفكّ عن قصد الامتثال بذلك الغير ، فالتفكيك بينهما غير معقول كما لا يخفى.
وبعبارة اخرى : الواجب الغيري مقدّمة شرعيّة للواجب النفسي ، والأمر بالمقدّمة لا يقصد به إلاّ الوصول إلى ذيها ، فامتثال الأمر بها لا يحصل إلاّ بقصد إمتثال الأمر بذيها فلو أتى بها لا بقصد امتثال هذا الأمر لا يعدّ ممتثلا في نظر العرف.
ألا ترى أنّ المولى لو أمر العبد بتحصيل درهم لاشتراء شيء مأمور به فحصّله العبد لا لأجل اشتراء ذلك الشيء بل لأجل اشتراء شيء آخر غير مأمور به أو مأمور به بأمر آخر لا يقال : إنّه امتثل الأمر ، وكذلك لو أمره بأن يعد من له عبد للضيافة وأمره أيضا بوعد عبده من جهة توقّف مجيئه على مصاحبة العبد معه ، فبنى على أن لا يعد المولى فوعد العبد لغرض نفسه لا يعدّ ممتثلا بل يستحقّ العقاب والمؤاخذة جدّا ، فعلى هذا لو أتى بالوضوء بعد التكليف بالصلاة بانيا على عدم الإتيان بها لا يكون ممتثلا بالوضوء الواجب الّذي هو مقدّمة قطعا.
ولا يخفى أنّ من الواجبات الغيريّة ما لا يعتبر في صحّته والامتثال به قصد الامتثال بالنسبة إلى أمره الغيري فضلا عن اشتراط قصد امتثال الأمر بما يقابله من الواجب النفسي ، كغسل الثوب وإزالة النجاسة عنه وعن البدن للصلاة ، فلابدّ وأن يخصّ محلّ الإشكال بما دلّ الدليل فيه على اشتراط قصد الامتثال ونيّة القربة ، بأن يكون له جهة تعبديّة مع جهته التوصّليّة كالوضوء وغيره من الطهارات الثلاث للصلاة ، وعلى هذا التقدير فالاعتبار وإن كان يقضي في بادئ النظر بكون القصد المذكور شرطا في امتثال الأمر ـ بل ربّما يقتضيه على التقدير (١) الآخر أيضا ـ ولكن قيام ذلك دليلا على تقييد المأمور به بذلك القصد ـ بحيث لو انتفى لم يكن المأتيّ به صحيحا ولا موافقا للمأمور به في نظر الآمر وإن اشتمل على قصد امتثال الأمر المتعلّق به ـ في غاية الإشكال ، كما أنّ إثبات كون ذلك شرطا للصحّة في غاية الصعوبة.
__________________
(١) وهو قضاؤه بالاشتراط حتّى في مثل غسل الثوب وإزالة النجاسة عنه وعن البدن للصلاة. ( منه عفي عنه ).