والأمر الأوّل لم يدلّ على ذلك ، بل يدلّ على طلب الفعل في زمانه المغاير لزمان الأمر الثاني.
وضعفه ظاهر لمن تأمّل قليلا ، فإنّ الزمانين لو اريد بهما ما يشخّص الفعل المأمور به أوّلا وثانيا.
ففيه : مع أنّه مصير إلى الفور الّذي لا يراه المجيب حقّا ، إنّه التزام بمذهب الخصم ، إذ لا تمايز بين الفعلين على هذا المذهب إلاّ باعتبار الزمان.
وإن اريد بهما ما يقع ظرفا للطلب.
ففيه : أنّه غير مناف للتأكيد ، كيف ولا فارق بين التأكيد والتأسيس إلاّ وحدة المطلوب وتعدّده ، وإلاّ فتعدّد زماني الطلب لازم لهما معا ، مع أنّ كلّ تأكيد لابدّ له من زمان وقع فيه ما يوجبه مغاير لزمان المؤكّد ، ولو بنى على اعتبار الاتّحاد في زمان المؤكّد والمؤكّد لانسدّ باب التأكيد بل يدخل في عداد الممتنعات وهو كما ترى.
والجواب عن الثالث : في غاية الوضوح ، فإنّ التأكيد ليس معنى استعمل فيه اللفظ حتّى يلزم منه التجوّز ، بل هو عبارة عن تكرير استعمال اللفظ في معنى واحد ، بأن يراد منه ثانيا ما أفاده أوّلا ، فلذا يقال : بأنّه إعادة والتأسيس إفادة.
وعن الرابع : بأنّ التشبّث بالاستصحاب في غير محلّ الاحتمال كما ترى ، فإنّ التأكيد ليس إخراجا للأمر عن كونه للوجوب.
غاية الأمر أنّه وجوب في محلّ الوجوب ، مع أنّ الموضوع متعدّد فما كان للوجوب قبل تعقّب الأمر الأوّل إنّما هو نوع اللفظ ، والّذي تعقّب بالأمر الأوّل إنّما هو الواقع في استعمال شخصي ومعه لا يعقل الاستصحاب.
ومع الغضّ عن الجميع فهو لا يفيد إلاّ حكما في مرحلة [ الظاهر ] مع أنّ النظر بالنسبة إلى محلّ البحث إنّما هو إلى مفاد الأمرين بالنظر إلى الواقع.
فتحقيق المقام : أنّ المعلوم من طريقة العرف وبناء أهل المحاورة أنّ تكرير الأمر بالنظر إلى مفهوم واحد إنّما يرد لغرض التأكيد والتنبيه على شدّة الاهتمام بشأن المأمور به ، بل الغالب فيما يتكرّر من لفظ واحد أو لفظين لمفهوم واحد إنّما هو التأكيد من غير اختصاص له بمحلّ البحث ، فيجب المصير إليه في كلّ مقام يكون من هذا الباب إلى أن يظهر خلافه بالدلالة الخارجة.
ثمّ إنّ ظاهر المنية كون العبرة في المبحوث عنه بنكارة الأمر الثاني من غير نظر إلى الأمر الأوّل ، حتّى أنّه لو كان معرّفا أيضا لكان من محلّ الخلاف ، بل هو ظاهر بعض