شكّ في موضوع العام لا في عمومه ، فلا يمكن رفعه بالعموم.
وملخّص مراده رحمهالله في الجواب عنه أنّ النهي عن الأكل يرجع إلى النهي عن التملّك ، لأنّ المراد بالأكل هو الأكل على أن يكون ملكا للآكل بدليل الاستثناء ، فالمنهي هو تملّك مال الغير إلّا بالتجارة.
والتملّك بالرجوع ليس تملّكا بالتجارة ، فيكون حراما ، وإذا كان حراما لم يكن مؤثّرا ، وإذا لم يكن مؤثّرا كان الملك لازما ، والاستدلال حينئذ بمجموع الجملتين ، لأنّ الحصر مستفاد منها معا لا من المستثنى فقط وإفادتهما للحصر مثبتة على كون الاستثناء متّصلا ، لأنّ الحصر مع الانقطاع مجازي ، والكلام معه في قوّة الجملتين مستقلّتين ، كأن قيل : لا تأكلوا بالباطل ، وكلوا بالتجارة ، وسيجيء منه رحمهالله في باب الإكراه أنّ الاستثناء في هذه الآية (١) منقطع ، وعليه فلا وجه للتمسّك بالحصر المستفاد من هذه الآية.
نعم ؛ لا بأس به بناء على الاتّصال ، بأن يجعل الاستثناء مفرّغا ، فيكون المستثنى منه محذوفا أي : لا تأكلوا أموالكم بوجه من الوجوه ، لأنّه ـ أي الأكل ـ بجميع الوجوه باطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض ـ أي : إلّا بوجه التجارة ـ ، وحينئذ فالتقييد بالباطل بمنزلة التعليل لحرمة الأكل ، فلا يكون قيدا للمنهي عنه حتّى يكون الاستثناء منقطعا.
ويرد عليه حينئذ ما تقدّم من أنّ النهي عن التملّك لا يشمل التملّك بالحقّ قطعا ، وإلّا لكان أدلّة الخيار والجواز في الهبة مخصّصا لعموم هذه الآية ، وهو بديهي الفساد ، فالشكّ في المقام إنّما هو في ثبوت الحقّ في التملّك بغير رضاه أم لا ، وظاهر أنّ العموم لا تعرّض له حينئذ لو وقع هذا الشكّ أصلا.
__________________
(١) النساء (٤) : ٢٩.