الإغراء بالجهل وإلقاء المخاطب في خلاف الواقع ، فلا ريب في حصوله في صورة التورية ، لأنّ المراد بها إرادة معنى لا دلالة للفظ عليه من دون نصب قرينة مفهمة ، فمفاد الكلام بحسب فهم المخاطب كذب صرف ، فيكون موجبا لإلقائه في خلاف الواقع قطعا.
لكن هذا ممّا لم يقم عليه دليل ، بل الأدلّة إنّما دلّت على حرمة الكذب من حيث هو ، مع قطع النظر عن كونه موجبا لإلقاء المخاطب في خلاف الواقع ، وليس هو إلّا الخبر الغير المطابق للواقع بحسب إرادة المتكلّم من غير فرق بين كونه ظاهرا بحسب قانون الوضع والتخاطب فيما أراده أم لا.
وعليه ؛ فيخرج الكلام مع التورية عن كونه كذبا ، وإن فهم المخاطب خلافه ، ولزوم كون إرادة المعنى من اللفظ مطابقا للوضع وقاعدة التخاطب في اتّصافه بالصدق أوّل الكلام ، بل ما دلّ من الأخبار على نفي الكذب مع التورية دليل على عدمه ، وأنّ الصدق والكذب لا مناط إلّا بإرادة المتكلّم فقط.
الفرق بين الإكراه والاضطرار في الكذب
قوله : (ويمكن أن يفرق بين المقامين) .. إلى آخره (١).
وتحقيق القول في ذلك وبيان الفرق بين المقامين هو أنّ مقام الوضع غير مقام التكليف ، ومجوّز الحرام ورافعه لا يكون إلّا الضرورة والاضطرار ، فمع فرض إمكان التفصّي عن الكذب بالتورية لا ضرورة ولا اضطرار في الكذب ، فلا يجوز.
ولذا أطبقوا في هذا المقام على وجوب التورية عند الاضطرار أو الإكراه
__________________
(١) المكاسب : ٢ / ٢٧.