يتوقّف على بيان امور :
الأوّل : أنّ حقيقة الإنشاء عبارة عن إظهار النسبة على وجه لا يكون لها نظر إلى غيرها ، ولا يكون فيها جهة كشف أصلا ، فلا تصلح لأن تتّصف بالمطابقة والمخالفة من غير فرق بين كونها مدلولة للكلام مكشوفة عنها بالوضع أو حاصلة بالكلام.
والأوّل لا يكون إلّا مدلولا للهيئة أو الإرادة ، لظهور أنّ النسبة من المعاني الحرفيّة لا يمكن أن يدلّ عليها المادّة ، فما كان مدلولا للهيئة كصيغة أمر الحاضر ، وما كان مدلولا للحرف كصيغة أمر الغائب ، والجملة الاستفهاميّة ونحوها ممّا تكون النسبة الإنشائيّة بالأداة ، وما كان حاصلا بالكلام كالجملة الخبريّة الواردة في مقام الإنشاء ، كالمدح والذمّ.
ومن هذا القبيل إنشائيّة العقود والإيقاعات ، فقولك : زيد عالم ، مدلوله الوضعي هو النسبة الخبريّة ، أي الكشف عن ثبوت العلم له ، لكنّه بعد الإظهار والكشف يحدث نسب عديدة لم تكن حاصله قبل الكلام وهي الإظهار والإخبار والإعلام والمدح والتوصيف والتكلّم ، ولا يخلو كلام خبري ـ بل الكلام الإنشائي أيضا ـ عن شيء من النسب الحاصلة به نسمّيها عناوين طارئة تتوقّف حصولها على تماميّة الكلام واستعمال ألفاظها في المعاني الموضوعة لها.
ثمّ الكلام الخبري إن صيغ لبيان نفس الموضوع له ، ولم يكن المقصود بالذات إلّا الموضوع كان خبرا ، ولم يكن من الإنشاء في شيء وإن لم يكن الموضوع له مقصودا بالذات ، بل قصد تبعا وتوطئة للنسبة الحاصلة ، نظير إرادة العموم قبل الاستثناء ، كان الكلام حينئذ إنشاء.