بأنّ الأنفس السليمة مجبولة على التنزّه عنها (١).
وذكر بعض المحقّقين : أنّ الّذي يظهر من ملاحظة الاستعمالات والتأمّل في مطاوي كلمات الفقهاء وأهل اللغة هو : أنّ الرشوة عبارة عمّا يعطيه أحد الشخصين صاحبه في مقابل عمل ليس من شأنه أن يقابل بالجعل والاجرة عند أهل العقول والمعرفة ، ولهذا كان التحفّي بها من لوازمها حصول الاستنكاف باستعمالها.
وبعبارة اخرى : يكون ذلك العمل مع كونه ممّا يعني به العقلاء ، ويعتدّون به ممّا لا يقابلونه بعوض ، بل يفعلونه من باب التعاون والتعاضد بين أبناء النوع ، كإحقاق حقّ ، وإبطال باطل ، وترك الظلم والإيذاء ، وتسليم الوقف إلى الموقوف عليه.
ولهذا وقع في بعض الروايات السابقة التعبير بقوله : «يرشو على أن يخرج من منزله ، فيسكنه (٢)» (٣) ، انتهى.
والأظهر ما عرفت من أنّ المناط كون الدفع لا بعنوان المقابلة ، بل من باب إحداث الداعي وسائر الامور من لوازمه ، وكون العمل بما ليس من شأنه أن يقابل بالجعل غير مأخوذ في معناه وضعا ، بل إنّما يتحقّق معناها في ضمنه وضمن غيره.
وما ذكره اللغويّون في تفسيرها غير مناف لما ذكر ، لأنّ همّتهم بيان موارد
__________________
(١) جواهر الكلام : ٢٢ / ١٤٨.
(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٧٨ الحديث ٢٢٥١٦ ، نقله بالمعنى.
(٣) لم نعثر على هذا القول في مظانّه.