فلذلك عند الاشتباه والدوران جعلت الضابطة فيها ما ذكر من التقييدين والتقييد الواحد.
وأصل سرّ ذلك في الفرق ، أنّه لمّا كانت العليّة في الأحكام تعلّق القيد فيها بالهيئة فانقلب الارتكاز فيها ، وانعزل اللفظ عن الظهور الّذي كان له ، ولكن ما وصلت الغلبة بحيث يعطي الظهور باللفظ ، ولذلك عند الشكّ يرجع فيها إلى ما أشرنا من الأصل اللفظي ، بخلاف باب المعاملات ، فليس فيها شيء يوجب انقلاب الارتكاز ، فيصير بمنزلة القرائن الحافّة المتّصلة بالكلام ، فتأمّل.
وأمّا في باب المعاملات ؛ لمّا كان موضوعات عرفيّة ، ولم يتصرّف الشارع فيها من هذه الجهة شيئا ، ففيها الارتكاز العرفي باق على حاله ، ولا ريب أنّه وارد على الاصول اللفظيّة ؛ لأنّها جارية عند الشكّ في الموضوع والمعنى ، وبعد ثبوت الارتكاز المذكور لا يبقى شكّ حتّى يحتاج إلى الأصل.
فإذا اتّضح ذلك ؛ فالتحقيق أنّ الحقّ في جميع هذه الموارد من الشروط مع المشهور ، إلّا في مسألة الشروط في العقود الجائزة ، ففيه لمّا لم يكن محذور من شمول «المؤمنون عند شروطهم» له ـ على ما حقّقنا من المبنى ـ فالحقّ مع الّذين يرون وجوب الوفاء بالشروط فيها ، هكذا أفاد ـ دام ظلّه ـ.
ولكن يمكن منع ما ذكر من الارتكاز في باب المعاملات ، بل العكس فيها أيضا أغلب وأكثر ؛ لأنّ لازم ما أفاد أن يكون نفس المعاملة تابعا للشرط ، بحيث لو لم يكن الشرط لم يقصد المعاملة رأسا ، مع أنّ أقلّ قليل من الشروط يكون بهذه المثابة ، بحيث يجعل أصل المعاملة تابعا له ، بل الغالب أنّ من يريد معاملة ، يريدها مطلقا ، ثمّ يتبعها بشرط.