وأيضا ؛ لا يستلزم أن يثبت الحكم بلا علّة ، بل نفس عدم المصلحة الملزمة وعدم المقتضي الآخر ، أمر وجودي يكفي في كونهما علّة ، وهذا بخلاف الأحكام الإلزاميّة ، فإنّها لمّا نشأت عن نفس الذات وتأثيرها مستقلا في ثبوت الحكم ، فكلّما تحقّق الذات نحكم بثبوت الحكم ، ولو وجد ألف مقتض مخالف لما يكن الحكم مقيّدا به لم يؤثّر شيئا ، ولذلك يقال : إنّ الأحكام فيها فعليّة.
فالمحصّل ؛ أنّ الطريق لاستكشاف الإطلاق في الواجبات والمحرّمات يوجد ، وفي المباحات لا طريق لنا إليه ، ولذلك يقع [بينها و] بين الدليل المخالف للاولى التعارض ، يحتاج في ترجيحه عليها إلى الدليل الخارجي ، بخلاف الثابتة ، فإنّه إذا كان للدليل المخالف مقتض يقدّم عيها ، ولا يحتاج إلى المقدّم الخارجي.
ففي الاولى لا يرفع اليد عن الإطلاق الأوّل بمقدار ما يثبت من الخارج تقييد إطلاقها ، وفي الثانية ليس كذلك ، أي : لا يحتاج إلى إثبات الخروج من الحكومة الثابتة من الخارج ، بل لمّا لم يكن إطلاق رأسا فيخرج قهرا.
وأمّا الكلام في ما يكون فيه اقتضاء الفعل أو الترك من جهة لا مطلقا ، وهو الاستحباب والكراهة ، فلمّا كان الفصل المتحقّق فيهما ـ وهو عدم المنع عن الترك ، أو عدم المنع عن الفعل ـ نشأ عن اقتضاء في الحكم ، فيجري فيه ما قلنا في الإباحة ؛ ضرورة أنّ الحكم فيهما مركّب من الجنس والفصل ، ولا يستقلّ نفس الجنس في كونه حكما ، والكلام ليس في اقتضاء الوجود حتّى يقال بأنّه لا يعارضه شيء ، بل في الاقتضاء بالنسبة إلى الحكم الشرعي.
ثمّ لا بأس أن نذكر بيانا آخر توضيحا للأمر ، فنقول : إنّه لا إشكال في أنّ