الشكّ وعدم تأثير المزاحم المشكوك فيه ، بخلاف الأحكام الإباحيّة ، لما عرفت من عدم تصوير الإطلاق فيها ذاتا.
هذا كلّه في الإطلاق الذاتي ، وأمّا الإطلاق اللحاظي ، وهو أن يكون الحاكم ملاحظا للحكم والموضوع ويحكم بثبوته له حيثما كانا ، وإنّما كانا في أيّ حال تحقّقا ، فلم يثبت في أحد القسمين أصلا ، حتّى يقال بأنّه ولو لم يتحقّق الإطلاق الذاتي فيتمسّك عند الشكّ بالإطلاق اللحاظي ؛ ضرورة أنّ الأحكام الثابتة للموضوعات إنّما هي ثابتة لها بحسب ظاهر أدلّتها لها بنفسها ، بلا نظر إلى العوارض الطارئة عليها ، فالحرمة ثابتة للخمر لذاتها ، ولم يقم دليل على أن الشارع لاحظ في حكمه العناوين الطارئة أيضا ثمّ أثبت المحمولات لموضوعاتها ، بل غاية ما ثبت قصر نظره إلى (على) الذات.
إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول : إذا اشترط الالتزام بترك مباح أو فعله ، فلا يمكن التمسّك بإطلاق أدلّة المباحات ، للزوم تحريم الحلال ؛ لأنّه ليس لها إطلاق ذاتي ولا لحاظي ، بل الأحكام الثابتة لها بعد ما عرفت إنّما هي حكم حيثي ، بمعنى أنّ حيثيّة ذاتها لا يأبى عن الحكم بإباحتها والترخيص في فعل شيء أو تركه كما ترى الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ ملتزمين بذلك ، فعلى ذلك كلّما ثبت حكم ناشئ عن الاقتضاء ، سواء كان شرطا أو غيره فيكون واردا عليه.
فالحليّة الثابتة للغنم لما لم يكن حيثيّة ذاته آبيا عن ثبوت الحليّة له ، بلا لحاظ تأثير لذاته فيه ، بل عدم وجود المصلحة الملزمة فيها ، وعدم المقتضي الخارجي المخالف ، دعى إلى الحكم بالإباحة ، فعلى فرض الالتزام بكون الإباحة من الأحكام الشرعيّة المجعولة لا يستلزم أن يكون الذات علّة ومقتضية له.