فقال له مسلم بن عمرو [الباهلي] : أتراها ما أبردها! لا والله ، لا تذوق منها قطرة أبداً حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم.
قال له ابن عقيل : ويحك مَن أنت؟!
قال أنا ابن (١) مَن عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفت ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.
فقال ابن عقيل : لأمّك الثكل! ما أجفاك وما أفظّك ، وأقسى قلبك أغلظك ، أنت يابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي.
ثمّ جلس متسانداً إلى الحائط.
[فـ] ـبعث عمرو بن حريث [المخزومي] غلاماً له ، يُدعى : سليمان فجاءه بماء في قلّة (٢) عليها منديل ومعه قدح ، فصبّ فيه ماء ثمّ سقاه ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً ، فلمّا ملأ القدح المرّة الثالثة ذهب ؛ ليشرب فسقطت ثناياه فيه ، فقال : الحمد لله! لو كان لي من الرزق المقسوم شربته (٣).
_________________
(١) هكذا النص ، والصحيح : أنا مَن عرف ، وليس : ابن مَن عرف.
(٢) يقطع أبو مِخْنف هنا حديثه عن قدامة بن سعيد ؛ ليحدّث عن سعيد بن مدرك بن عمارة بن عقبة بن أبي معيط ، أنّه هو الذي بعث غلامه قيساً فجاءه بقلّة ... ويرجع الحديث في الظاهر إلى حديث قدامة ، ونحن رجّحنا حديث قدامة بن سعيد ، عن جدّه زائدة بن قدامة الثقفي إذ اتّهمنا سعيد بن مدرك ، أنّه وضع الحديث كفضيلة لجدّه عمارة ، بينما لا يرد مثل هذا على حديث قدامة إذ لمْ ينسب ذلك لجدّه زائدة مع حضوره هناك ، بل نسبه إلى عمرو بن حريث ؛ ولعمرو بن حريث موقفان آخران : يتسامح في أوّلهما للمختار ، فيشهد له عند ابن زياد بما ينجو به من القتل ؛ ويشفع في الثاني لزينب عند ابن زياد إذ همّ بها أنْ يضربها ، وإنْ كان كلّ ذلك بحميّة قرشيّة.
أمّا عمارة بن عقبة بن أبي معيط الاُمّوي ، فهو من أعداء آل البيت (عليهم السّلام) وقد سبقت ترجمته في المقدمة ، فراجع.
واختاره الشيخ في الإرشاد / ٢١٥ ، والخوارزمي / ٢١٠. وجمع السّماوي بين الخبرين بالعطف ، أي : أنّ كليهما بعثا للماء ، وهو خطأ. انظر : السّماوي / ٤٥.
(٣) قال أبو مِخْنف : فحدّثني قدامة بن سعيد ٥ / ٣٧٥.