فقال له ابن عبّاس : فإنّي أعيذك بالله من ذلك ، أخبرني رحمك الله أتسير
_________________
٥ / ٣٨٥ يُعلم أنّ هذه المحادثة بينه (عليه السّلام) وابن عبّاس كانت في يوم السادس من ذي الحجّة ، وإنّ إرجاف النّاس وشيوع الخبر فيهم بذلك كان على الأكثر منذ يومين من قبل ذلك ـ أي : منذ اليوم الرابع من ذي الحجّة ـ. وأمّا قبل ذلك فلا شيء يدلّ على هذا ، فما الذي حدث في هذه الأيّام بعد بقائه بمكّة أربعة أشهر ممّا جعله يخرج يوم التروية قبل تمام الحجّ؟ وكان مسلم (عليه السّلام) قد أرسل الكتاب قبل سبع وعشرين يوماً من مقتله ـ أي : في العشرين من ذي القعدة ـ ومدّة وصول الكتاب إذ ذاك عشرة أيّام تقريباً ، وعلى هذا يكون الكتاب قد وصل إليه (عليه السّلام) في أواخر ذي القعدة أو أوائل ذي الحجّة ، ولكن ذلك لا يكفي لعدم إتمام الحجّ في أربعة أيّام.
ونجد الفرزدق الشاعر قد سأل الإمام (عليه السّلام) عن هذا ، إذ قال له : ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال (عليه السّلام) : «لو لمْ أعجّل لأُخذت» ٥ / ٣٨٦ ؛ ولذلك قال الشيخ المفيد (قده) : لمّا أراد الحسين (عليه السّلام) التوجّه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة ؛ لأنّه لمْ يتمكّن من تمام الحجّ ، مخافة أنْ يُقبض عليه بمكّة فيُنفذ به إلى يزيد بن معاوية ، فخرج (عليه السّلام) مبادراً. الإرشاد / ٢١٨.
وروى معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق (عليه السّلام) ، قال : «وقد اعتمر الحسين في ذي الحجّة ، ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والنّاس يروحون إلى منى ، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجّة لمَن لا يُريد الحجّ». وروى إبراهيم بن عمر اليماني ، أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن رجل خرج في أشهر الحجّ معتمراً ، ثمّ خرج إلى بلاده؟ قال (ع) : «لا بأس». إلى أنْ قال (ع) : «وإنّ الحسين بن علي (عليه السّلام) خرج يوم التروية إلى العراق ، وكان معتمراً». الوسائل ١٠ / ٢٤٦.
ولهذا قال الشيخ التستري : إنّهم جدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلةً ، ولو وُجد متعلقاً بأستار الكعبة! فالتزم بأنْ يجعل إحرامه عمرةً مفردةً وترك التمتع بالحجّ. الخصائص / ٣٢ ، ط تبريز.
ونجد الشيخ الطبرسي في أعلام الورى ، في الفصل الخاص بأخبار مسيرة الإمام (عليه السّلام) ومقتله ، ينقل نفس الفصل الخاص في إرشاد الشيخ المفيد (قده) تقريباً بدون تصريح بذلك ، وفيه ينقل ما ذكره الشيخ المفيد إلاّ أنّه يغيّر كلمة : (تمام الحجّ) إلى : (إتمام الحجّ) وهذا خطأ ، ولعلّه من النسّاخ لمَا بينهما من الفرق الواضح ، إذ أنّ كلمة الإتمام تُفيد : أنّه (عليه السّلام) قد تلبّس بإحرام الحجّ ، دون كلمة : (تمام الحجّ).
ولعلّ نُسخ الإرشاد تختلف ، فقد نقل الشيخ القرشي كلام الشيخ المفيد كما نقله الطبرسي : (إتمام الحجّ) ٣ / ٥٠ عن الإرشاد / ٢٤٣ ، ونحن نجد الكلمة في [الصفحة] / ٢١٨ ، من الإرشاد في الطبعة الحيدريّة : (تمام الحجّ) ، وهو الصحيح.