فحدّثه [يوماً] ساعة ، ثمّ قال : ما أدرى ما تركنا هؤلاء القوم وكفّنا عنهم ، ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر دونهم! خبّرني ما تريد أنْ تصنع؟
فقال الحسين (عليه السّلام) : «والله ، لقد حدّثت نفسي بإتيان الكوفة ، ولقد كتب إليّ شيعتي بها وأشراف أهلها ، واستخير الله» (١).
فقال له ابن الزبير : أمَا لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها!
ثمّ إنّه خشى أنْ يتّهمه ، فقال : أمَا إنّك لو أقمت بالحجاز ، ثمّ أردت هذا الأمر ها هنا ما خولف عليك إنْ شاء الله. ثمّ قام فخرج من عنده.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «ها إنّ هذا ليس شيء يُؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أنْ اخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم أنّه ليس له من الأمر معي شيء ، وأنّ النّاس لا يعدلوه بي ، فودّ أنّي خرجت منها لتخلو له». (٢) (٣)
[محادثة ابن عبّاس]
[و] لمّا أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عبّاس ، فقال : يابن عمّ ، قد أرجف النّاس أنّك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت صانع؟ قال (ع) : «إنّي قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين (٤) إنْ شاء الله تعالى».
_________________
(١) الاستخارة هنا بمعناها اللغوي ، أي : طلب الخير ، وليس بالمعنى المصطلح عليه المتأخّر.
(٢) قال أبو مِخْنف : وحدّثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان ٥ / ٣٨٣.
(٣) غير خافٍ على الإمام (عليه السّلام) نفسيّات القوم وما شيبت به من الغدر والنفاق ، ولكن لا تسعه المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره لكلّ مَن قابله ، إذ لا كلّ ما يُعلم يُقال لا سيّما بعد تفاوت المراتب واختلاف الأوعية سعةً وضيقاً ؛ فكان يُجيب كلّ واحد بما يسعه ظرفه وتتحمله معرفته. والملاحظ هنا : أنّ ابن الزبير غير مخالف لقيام الإمام (عليه السّلام) ، بل هو مرغّب للامام فيه ، وإنّما كلامه في زمانه ومكانه.
(٤) وبما أنّ خروجه (عليه السّلام) من مكّة كان في يوم التروية بعد الظهر ، والنّاس رائحين إلى منى :