فيه أنْ أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله ، وقد أمره أنْ لا يُفارقني حتّى أنفذ رأيه وأمره.
فنظر الشعثاء ، يزيد بن زياد المهاصر الكندي البهدلي (١) إلى رسول عبيد الله [ابن زياد] فعنّ له ، فقال : أمالك بن النّسير البدّي (٢) [من كندة]؟ قال : نعم. فقال له يزيد بن زياد : ثكلتك اُمّك! ماذا جئت فيه؟ قال : وما جئت فيه أطعت إمامي ووفيت ببيعتي. فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك كسبت العار والنّار ، قال الله عزّ وجلّ : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إلى النّار وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ) (٣) فهو إمامك.
وأخذ الحرّ بن يزيد القوم بالنّزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في
_________________
(١) من رماة أصحاب الحسين (عليه السّلام) ، وكان في أوائل مَن قُتل ، رمى بمئة سهم وقام ، فقال : ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم ، وقد تبيّن لي أنّي قد قتلت خمسة نفر.
وقد روى أبو مخنف ـ أيضاً ـ ، عن فضيل بن خديج الكندي : أنّ يزيد بن زياد كان ممّن خرج مع عمر بن سعد ، فلمّا ردّوا الصلح على الحسين (عليه السّلام) مال إليه فقاتل حتّى قُتل ، ولكنّه لا يتّفق مع هذا الخبر هنا.
(٢) مالك بن النّسير من بني بدّاء ، حضر كربلاء فضرب رأس الإمام (عليه السّلام) بالسّيف فقطع البرنس وأصاب رأسه وأدماه ، فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لا أكلت بها ولا شَربت ، وحشرك الله مع الظالمين». وأخذ مالك برنس الإمام (عليه السّلام) ، فلمْ يزل فقيراً حتّى مات ٥ / ٤٤٨ عن أبي مخنف. والبرنس : كلمة غير عربية ، وهو : قلنسوة طويلة من قطن كان يلبسها عبّاد النّصارى ، فلبسها عبّاد المسلمين في صدر السّلام ، كما في مجمع البحرين.
وروي ـ أيضاً ـ أنْ عبد الله بن دبّاس دلّ المختار على نفر ممّن قتل الحسين (عليه السّلام) منهم مالك بن النّسير البدّي ، فبعث إليهم المختار مالك بن عمرو النّهدي ، فأتاهم وهم بالقادسيّة ، فأخذهم وأقبل بهم حتّى أدخلهم على المختار عشاء ، فقال المختار للبدّي : أنت صاحب برنسه؟ فقال عبد الله بن كامل : نعم ، هو هو. فقال المختار : اقطعوا يدي هذا ورجليه ودعوه فليضطرب حتّى يموت. ففُعل به ذلك وتُرك ، فلمْ يزل ينزف الدم حتّى مات سنة (٦٦ هـ) ٦ / ٥٧.
(٣) سورة القصص / ٣٢.