[و] لمّا صبّحت الخيل الحسين (عليه السّلام) رفع الحسين يديه ، فقال : «اللهمّ ، أنت ثقتي في كلّ كرب ، ورجائي في كلّ شدّة ، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعّف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة! ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ! أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي عمّن سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ، ومنتهى كلّ رغبة» (١). [وقال الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ، وهو الذي نجا من أصحاب الحسين (عليه السّلام)] :
لمّا أقبلوا نحونا ، فنظروا إلى النّار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النّار من ورائنا ، لئلا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركب [فرسه وهو] كامل الأداة ، فلمْ يكلّمنا حتّى مرّ على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلاّ حطباً تلتهب النّار فيه ، فرجع [و] نادى بأعلى صوته.
يا حسين ، استعجلت النّار في الدنيا قبل يوم القيامة!
فقال الحسين (عليه السّلام) : «مَن هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟».
فقالوا : نعم ، أصلحك الله! هو هو.
فقال (ع) : «يابن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّاً».
فقال له مسلم بن عوسجة : يابن رسول الله ، جُعلت فداك ألاَ أرميه بسهم؟ فإنّه قد أمكنني ، وليس يسقط سهم [منّي] ، فالفاسق من أعظم الجبّارين.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لا ترمه ، فإنّي أكره أنْ أبدأهم» (٢).
* * *
_________________
(١) عن بعض أصحابه عن أبي خالد الكأهلي ، قال ٥ / ٤٢٣ ، والمفيد في الإرشاد / ٢٣٣ ، قال : فروى عن علي بن الحسين (ع) ، وأبو خالد الكأهلي من أصحابه ، فهو يروي الخبر عنه (عليه السّلام) وإنْ لمْ ينصّ عليه في الطبري.
(٢) فحدّثني عبد الله بن عاصم ، قال حدّثني الضحّاك المشرقي ٥ ٤٢٣ والإرشاد ٢٣٤.