وبين ابن عمّه يزيد بن معاوية ، فلعمري ، إنّ يزيد لا يرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين (عليه السّلام).
فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم ، وقال : اسكت ، أسكت الله نأمتك (١) أبرمتنا بكثرة كلامك.
فقال له زهير : يابن البوّال على عقبيه ، ما إيّاك أخاطب ، إنّما أنت بهيمة ، والله ، ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
_________________
ولمْ يدع معاوية ـ إلى ذلك ـ ورع ولا هدى ، ولا اتّباع سنّة هادية ولا قدرة من أئمة الحقّ ماضية ، إلاّ الرغبة في هلاك دينه وآخرته ، والتصميم على مخالفة الكتاب والسّنة ، والعجب بزياد في جََلده ونفاذه ، وما رجا من معونته وموازرته إيّاه على الباطل ما كان يركن إليه في سيرته وآثاره وعمّاله الخبيثة. وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) : «الولد للفراش وللعاهر الحجّر» وقال : «مَن ادّعي إلى غير أبيه أو أنتمى إلى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس الجمعين! لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً». [الصرف : التوبة. والعدل : الفدية].
ولعمري ، ما وُلد زياد في حجر أبي سفيان ولا على فراشه ، ولا كان عُبيد عبداً لأبي سفيان ولا سميّة أمَة له ، ولا كانا في ملكه ولا صارا إليه لسبب من الأسباب. فخالف معاوية بقضائه في زياد واستلحاقه إيّاه وما صنع فيه وأقدم عليه أمر الله جلّ وعزّ ، وقضاء رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) واتّبع في ذلك هواه ، رغبة عن الحقّ ومجانبة له ، وقد قال الله عزّ وجل : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص / ٥٠]. وقال لداود (عليه السّلام) وقد آتاه الحكم والنّبوة ، والمال والخلافة : (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحقّ) [ص / ٢٦].
وعند ما كلّم معاوية ـ فيما يعلم أهل الحفظ للأحاديث ـ موالي بني المغيرة المخزومين ، وأرادوا استلحاق نصر بن الحجّاج السّلمي وأنْ يدّعوه ، وكان أعدّ لهم معاوية حجراً تحت فراشه فألقاه إليهم ـ على قول رسول الله : «للعاهر الحجّر» ـ فقالوا له : نسوّغ لك ما فعلت في زياد ، ولا تسوغ لنا ما فعلنا في صاحبنا. قال : قضاء رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) خير لكم من قضاء معاوية ٨ / ١٣١.
ومن هنا يُعلم : أنّ زهير بن القين قبل هدايته وإجابته دعوة الإمام (عليه السّلام) وإنْ كان عثمانياً ، لكنّه كان ناقماً على معاوية استلحاقه زياداً وقتله حجر بن عدي ، فكانت نفسه مستعدة للخروج عن عهدة عثمان ولإظهار النّقمة على معاوية ويزيد ابنه وعمّالهم ، ولإجابة دعوة الإمام إيّاه للخروج عليهم.
(١) النّأمة : الصوت ، ولعلّها لغة في : النّغمة.