تريد أنْ تسقيه؟
قال قرّة : فظننت ، والله ، أنّه يُريد أنْ يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أنْ أراه حين يصنع ذلك فيخاف أنْ أرفعه عليه ، فقلت له : لمْ أقسه وأنا منطلق فساقيه. فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله ، لو أنّه أطلعني على الذي يُريد ، لخرجت معه إلى الحسين (عليه السّلام).
[وأمّا الحرّ ، فإنّه] أخذ يدنو من حسين (عليه السّلام) قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه ـ يُقال له المهاجر بن أوس (١) ـ : ما تُريد يابن يزيد؟ أتُريد أنْ تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العُرواء (٢). فقال له : يابن يزيد والله ، إنّ أمرك لمريب ، والله ، ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قِيل لي : مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً ، ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟
قال : إنّي والله ، أُخيّر نفسي بين الجنّة والنّار ، ووالله ، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت وحُرّقت.
ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين (عليه السّلام) ، فقال له :
جعلني الله فداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله ، الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا أبالي أنْ أُطيع القوم في بعض أمرهم ، ولا يَرون أنّي خرجت من طاعتهم ، وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، ووالله ، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، أفترى
_________________
(عليه السّلام) ، فوعده النّظر في ذلك ، ولكنّه لمْ يرجع. والظاهر : أنّه هو ناقل الخبر ومدّعيه.
(١) هو : قاتل زهير بن القين ، مع الشعبي ٥ / ٤٤١.
(٢) العُرواء : رعدة الحمّى.