كافي الكفاة) ، فكنّا إذا قرأنا أوراقا منه تجارينا في فنون الأدب ، واجتنينا من فوائده ثمار الألباب ، ورتعنا في رياض ألفاظه ومعانيه ، والتقطنا الدّرّ المنثور من سقاط فيه ، فأجرى يوما بعض الحاضرين ذكر الأصمعي وأسرف في الثّناء عليه ، وفضّله على أعيان العلماء في أيّامه ، فرأيت ـ رحمه الله ـ كالمنكر لما كان يورده ، وكان فيما ذكر من محاسنه ونشر من فضائله أن قال : من ذا الذي يجسر أن يخطّئ الفحول من الشعراء غيره؟ فقال أبو علي : وما الذي ردّ عليهم؟ فقال الرجل : أنكر على ذي الرّمّة مع إحاطته بلغة العرب ومعانيها ، وفضل معرفته باغراضها ومراميها ، وأنّه سلك نهج الأوائل في وصف المفاوز إذا لعب السراب فيها ، ورقص الآل في نواحيها ، ونعت الحرباء وقد سنح على جذله ، والظّليم وكيف ينفر من ظلّه ، وذكر الرّكب وقد مالت طلاهم من غلبة المنام حتى كأنّهم صرعتهم كؤوس المدام ، فطبّق مفصل الإصابة في كلّ باب ، وساوى الصّدر الأوّل من أرباب الفصاحة ، وجارى القروم البزّل من أصحاب البلاغة ، فقال له أبو علي : وما الذي أنكر على ذي الرّمّة؟ فقال : قوله : [الطويل]
٥٦١ ـ وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم |
|
[وكيف بتكليم الديار البلاقع] |
لأنه كان يجب أن ينوّنه ، فقال : أمّا هذا فالأصمعي مخطئ فيه وذو الرّمّة مصيب ، والعجب أنّ يعقوب بن السّكّيت قد وقع عليه هذا السّهو في بعض ما أنشده ، فقلت : إن رأى الشيخ أن يصدع لنا بجليّة هذا الخطأ تفضّل به ، فأملى علينا : أنشد ابن السكيت لأعرابيّ من بني أسد : [الوافر]
٥٦٢ ـ وقائلة أسيت فقلت : جير |
|
أسيّ إنّني من ذاك إنّه |
أصابهم الحمى وهم عواف |
|
وكنّ عليهم نحسا لعنّه |
فجئت قبورهم بدأ ولمّا |
|
فناديت القبور ولم يجبنه |
وكيف تجيب أصداء وهام |
|
وأبدان بدرن وما نخرنه |
__________________
٥٦١ ـ الشاهد لذي الرمة في ديوانه (ص ٧٧٨) ، وإصلاح المنطق (ص ٢٩١). وتذكرة النحاة (ص ٦٥٨) ، وخزانة الأدب (٦ / ٢٠٨) ، ورصف المباني (ص ٣٤٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٤٩٤) ، وشرح المفصّل (٤ / ٣١) ، ولسان العرب (أيه) ، وتاج العروس (أيه) ، وما ينصرف وما لا ينصرف (ص ١٠٩) ، ومجالس ثعلب (ص ٢٧٥) ، وكتاب العين (٤ / ١٠٤) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٦ / ٢٣٧) ، والمقتضب (٣ / ١٧٩) ، والمخصّص (١٤ / ٨١).
٥٦٢ ـ البيت الأول بلا نسبة في اللسان (أس) ، والجنى الداني (ص ٤٣٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ٧٢) ، والدرر (٢ / ٨٩) ، والبيت الثالث بلا نسبة في المغني (ص ٣١٠) ، والأبيات الأربعة في الدرر (٢ / ٥٢) ، بلا نسبة.