والثالث : الاستعلاء ، ذكره الأخفش والكوفيّون ، وأن بعضهم قيل له : «كيف أصبحت؟» فقال : «كخير» ، أي : على خير ، وقيل : المعنى : بخير ، ولم يثبت مجيء الكاف بمعنى الباء ، وقيل : هي للتشبيه على حذف مضاف ، أي : كصاحب خير.
وقيل في «كن كما أنت» : إن المعنى : على ما أنت عليه ، وللنحويّين في هذا المثال أعاريب :
أحدها : هذا ، وهو أن «ما» موصولة ، و «أنت» : مبتدأ حذف خبره.
والثاني : أنها موصولة ، و «أنت» خبر حذف مبتدؤه ، أي : كالذي هو أنت ، وقد قيل بذلك في قوله تعالى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] ، أي : كالذي هو لهم آلهة.
والثالث : أن «ما» زائدة ملغاة ، والكاف أيضا جارّة كما في قوله [من الطويل]:
٨١ ـ وننصر مولانا ونعلم أنّه |
|
كما النّاس مجروم عليه وجارم (١) |
و «أنت» : ضمير مرفوع أنيب عن المجرور ، كما في قولهم : «ما أنا كأنت» ، والمعنى : كن فيما يستقبل مماثلا لنفسك فيما مضى.
والرابع : أن «ما» كافّة ، و «أنت» : مبتدأ حذف خبره ، أي : عليه أو كائن ، وقد قيل في : (كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] : إن «ما» كافة ، وزعم صاحب المستوفى أن الكاف لا تكفّ بـ «ما» ، وردّ عليه بقوله [من الوافر] :
٨٢ ـ وأعلم أنني وأبا حميد |
|
كما النّشوان والرّجل الحليم (٢) |
وقوله [من الطويل] :
٨٣ ـ أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد ، |
|
كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه (٣) |
وإنما يصحّ الاستدلال بهما إذا لم يثبت أنّ «ما» المصدريّة توصل بالجملة الاسمية.
الخامس : أن «ما» كافة أيضا ، و «أنت» : فاعل ، والأصل : كما كنت ، ثم حذف
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لعمر بن براقة في أمالي القالي ٢ / ١٢٢ ، والدرر ٤ / ٢١٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٠٧ ، والدرر ٦ / ٨١.
(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو لزياد الأعجم في ديوانه ص ٩٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤٨.
(٣) البيت من البحر الطويل ، وهو لنهشل بن حري في الدرر ٤ / ٢٠٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٦٨ ، وجواهر الأدب ص ١٣٢.