فكي إما تعليليّة مؤكّدة للّام ، أو مصدريّة مؤكّدة بـ «أن» ، ولا تظهر «أن» بعد «كي» إلّا في الضرورة كقوله [من الطويل] :
٩٤ ـ فقالت أكلّ النّاس أصبحت مانحا |
|
لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا؟ (١) |
وعن الأخفش أن «كي» جارة دائما ، وأن النصب بعدها بـ «أن» ظاهرة أو مضمرة ، ويردّه نحو : (لِكَيْلا تَأْسَوْا) [الحديد : ٢٣] فإن زعم أن «كي» تأكيد للام كقوله [من الوافر] :
٩٥ ـ [فلا والله لا يلفى لما بي |
|
ولا للما بهم أبدا دواء (٢) |
ردّ بأن الفصيح المقيس لا يخرّج على الشاذّ ، وعن الكوفيّين أنها ناصبة دائما ، ويردّه قولهم «كيمه» كما يقولون : «لمه» ، وقول حاتم [من الطويل] :
٩٦ ـ وأوقدت ناري كي ليبصر ضوؤها ، |
|
وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله (٣) |
لأن لام الجرّ لا تفصل بين الفعل وناصبه ، وأجابوا عن الأول بأن الأصل : «كي يفعل ما ذا» ويلزمهم كثرة الحذف ، وإخراج «ما» الاستفهامية عن الصّدر ، وحذف ألفها في غير الجرّ ، وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النصب ، وكل ذلك لم يثبت ؛ نعم وقع في صحيح البخاري في تفسير : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (٢٢) [القيامة : ٢٢] : «فيذهب كيما فيعود ظهره طبقا واحدا» ، أي : كيما يسجد ، وهو غريب جدا لا يحتمل القياس عليه.
تنبيه ـ إذا قيل «جئت لتكرمني» بالنصب فالنصب بـ «أن» مضمرة ، وجوّز أبو سعيد كون المضمر «كي» ، والأولى أولى ؛ لأنّ «أن» أمكن في عمل النصب من غيرها ؛ فهي أقوى على التجوّز فيها بأن تعمل مضمرة.
* (كم) على وجهين : خبرية بمعنى «كثير» ، واستفهاميّة بمعنى أي عدد.
ويشتركان في خمسة أمور : الاسمية ، والإبهام ، والافتقار إلى التمييز ، والبناء ، ولزوم التصدير ، وأما قول بعضهم في : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣١) [يس : ٣١] : أبدلت «أنّ» وصلتها من «كم» فمردود ، بأن عامل البدل هو عامل المبدل منه ، فإن قدر عامل المبدل منه «يروا» فـ «كم» لها الصّدر فلا يعمل فيها ما قبلها ،
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٠٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٨١ ـ ٤٨٢ ، والدرر ٤ / ٦٧ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١١ ، وخزانة الأدب ص ١٢٥ ، ورصف المباني ص ٢١٧.
(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٢ ، والخصائص ٢ / ٢٨٢.
(٣) البيت من البحر الطويل ، انظر ديوان الحماسة ٢ / ٣٢٤.