وإن قدّر «أهلكنا» فلا تسلّط له في المعنى على البدل ؛ والصّواب أن «كم» مفعول لـ «أهلكنا» ، والجملة إما مفعولة لـ «يروا» على أنه علّق عن العمل في اللفظ ، و «أنّ» وصلتها مفعول لأجله ؛ وإما معترضة بين «يروا» وما سدّ مسدّ مفعوليه وهو «أنّ» وصلتها ؛ وكذلك قول ابن عصفور في : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) [السجدة : ٢٦] : إن «كم» فاعل مردود بأن «كم» لها الصدر ، وقوله إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول «ملكت كم عبيد» فيخرجها عن الصدريّة خطأ عظيم ؛ إذ خرّج كلام الله سبحانه على هذه اللغة ، وإنما الفاعل ضمير اسم الله سبحانه ، أو ضمير العلم أو الهدى المدلول عليه بالفعل ، أو جملة (أَهْلَكْنا) على القول بأن الفاعل يكون جملة إما مطلقا أو بشرط كونها مقترنة بما يعلّق عن العمل والفعل قلبيّ ، نحو : «ظهر لي أقام زيد» ؛ وجوّز أبو البقاء كونه ضمير الإهلاك المفهوم من الجملة ، وليس هذا من المواطن التي يعود الضمير فيها على المتأخر.
ويفترقان في خمسة أمور :
أحدها : أن الكلام مع الخبريّة محتمل للتّصديق والتكذيب ، بخلافه مع الاستفهامية.
الثاني : أن المتكلّم بالخبريّة لا يستدعي من مخاطبه جوابا لأنه مخبر ، والمتكلم بالاستفهامية يستدعيه لأنه مستخبر.
الثالث : أن الاسم المبدل من الخبريّة لا يقترن بالهمزة ، بخلاف المبدل من الاستفهامية ، يقال في الخبرية : «كم عبيد لي خمسون بل ستون» ، وفي الاستفهامية : «كم مالك أعشرون أم ثلاثون».
الرابع : أن تمييز «كم» الخبريّة مفرد أو مجموع ، تقول : «كم عبد ملكت» و «كم عبيد ملكت» ، قال [من مجزوء المديد] :
٩٧ ـ كم ملوك باد ملكهم |
|
ونعيم سوقة بادوا (١) |
وقال الفرزدق [من الكامل] :
٩٨ ـ كم عمّة لك يا جرير وخالة |
|
فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (٢) |
__________________
(١) البيت من مجزوء المديد ، وهو بلا نسبة في الدرر ٤ / ٤٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥١١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٩٥.
(٢) البيت من البحر الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٣٦١ ، والأشباه والنظائر ٨ / ١٢٣ ، وأوضح المسالك ـ