(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : ٣٨] ، وغير مضافة ، نحو : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) [الفرقان : ٣٩].
وأما أوجهها الثلاثة التي باعتبار ما بعدها فقد مضت الإشارة إليها.
الأول : أن تضاف إلى الظّاهر ، وحكمها أن يعمل فيها جميع العوامل ، نحو : «أكرمت كلّ بني تميم».
والثاني : أن تضاف إلى ضمير محذوف ، ومقتضى كلام النحويين أن حكمها كالتي قبلها ، ووجهه أنهما سيّان في امتناع التأكيد بهما. وفي تذكرة أبي الفتح أنّ تقديم «كل» في قوله تعالى : (كُلًّا هَدَيْنا) [الأنعام : ٨٤] أحسن من تأخيرها ، لأن التقدير كلهم ، فلو أخرت لباشرت العامل مع أنها في المعنى منزّلة منزلة ما لا يباشره ، فلما قدّمت أشبهت المرتفعة بالابتداء في أن كلّا منهما لم يسبقها عامل في اللفظ.
الثالث : أن تضاف إلى ضمير ملفوظ به ، وحكمها أن لا يعمل فيها غالبا إلا الابتداء ، نحو : (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٥٤] فيمن رفع «كلّا» ، ونحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) [مريم : ٩٥] لأن الابتداء عامل معنويّ ، ومن القليل قوله [من الطويل] :
١١٠ ـ يميد إذا مادت عليه دلاؤهم |
|
فيصدر عنه كلّها وهو ناهل (١) |
ولا يجب أن يكون منه قول علي رضياللهعنه [من الطويل] :
١١١ ـ فلمّا تبيّنا الهدى كان كلّنا |
|
على طاعة الرّحمن والحقّ والثّقى (٢) |
بل الأولى تقدير «كان» شأنيّة.
واعلم أن لفظ «كلّ» حكمه الإفراد والتّذكير ، وأن معناها بحسب ما تضاف إليه ، فإن كانت مضافة إلى منكرّ وجب مراعاة معناها ؛ فلذلك جاء الضمير مفردا ومذكرا في نحو : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) (٥٢) [القمر : ٥٢] ، (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) [الإسراء : ١٣] ، وقول أبي بكر وكعب ولبيد رضياللهعنهم [من الرجز] :
١١٢ ـ كلّ امرىء مصبّح في أهله ، |
|
والموت أدنى من شراك نعله (٣) |
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لكيثر عزة في ديوانه ص ٥٠٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٧٥ ، وبلا نسبة في الدرر ٥ / ١٣٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٢١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٣.
(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو للإمام علي بن أبي طالب في ديوانه ١١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٢١.
(٣) البيت من بحر الرجز ، انظر : البيان والتبيين ١ / ٤٧٧ ، والمستقصى في أمثال العرب ١ / ١٢١.