والذي يظهر لي خلاف قولهما ، وأن المضافة إلى المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى كل واحد وجب الإفراد ، نحو : «كلّ رجل يشبعه رغيف» ، أو إلى المجموع واجب الجمع كبيت عنترة ؛ فإن المراد أن كل فرد من الأعين جاد ، وأن مجموع الأعين تركن ، وعلى هذا فتقول «جاد عليّ كلّ محسن فأغناني» أو «فأغنوني» بحسب المعنى الذي تريده.
وربما جمع الضمير مع إرادة الحكم على كل واحد ، كقوله [من الرجز] :
من كلّ كوماء كثيرات الوبر
وعليه أجاز ابن عصفور في قوله [من الطويل] :
١٢١ ـ وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه |
|
وما كلّ مؤت نصحه بلبيب (١) |
أن يكون «مؤتيك» جمعا حذفت نونه للإضافة ، ويحتمل ذلك قول فاطمة الخزاعية تبكي إخوتها [من المديد] :
١٢٢ ـ إخوتي ، لا تبعدوا أبدا ، |
|
وبلى والله قد بعدوا (٢) |
١٢٣ ـ كلّ ما حيّ ، وإن أمروا ، |
|
وارد الحوض الّذي وردوا |
وذلك في قولها : «أمروا» ، فأما قولها : «وردوا» فالضّمير لـ «إخوتها» ، هذا إن حملت «الحيّ» على نقيض «الميت» وهو ظاهر ، فإن حملته على مرادف القبيلة فالجمع في «أمروا» واجب مثله في : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون : ٥٣] ، وليس من ذلك (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) [غافر : ٥] لأن القرآن لا يخرّج على الشاذ ، وإنما الجميع باعتبار معنى الأمّة ؛ ونظيره الجمع في قوله تعالى : (أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ) [آل عمران : ١١٣] ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ) [الحج : ٢٧] ، فليس الضّامر مفردا في المعنى لأنّه قسيم الجمع وهو : (رِجالاً) [الحج : ٢٧] ، بل هو اسم جمع كـ «الجامل» و «الباقر» أو صفة لجمع محذوف أي كل نوع ضامر ؛ ونظيره (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص ٤٥ ، والحيوان ٥ / ٦٠١ ، وشرح الإيضاح ص ٦٣٦ ، ولأبي الأسود أو لمودود العنبري في شرح شواهد المغني ص ٥٤٢ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ٢٦٩ والدرر ٥ / ٢٦٦.
(٢) البيتان من البحر المديد ، وهما لفاطمة بنت أحجم أو الأحزم الخزاعية في شرح شواهد المغني ٢ / ٥٤٣ وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٩١٢.