كافِرٍ بِهِ) [البقرة : ٤١] ، فإن (كافِرٍ) نعت لمحذوف مفرد لفظا مجموع معنى ، أي : أول فريق كافر ، ولو لا ذلك لم يقل (كافِرٍ) بالإفراد.
وأشكل من الآيتين قوله تعالى : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ) [الصافات : ٧ ـ ٨] ولو ظفر بها أبو حيّان لم يعدل إلى الاعتراض ببيت عنترة.
والجواب عنها أنّ جملة (لا يَسَّمَّعُونَ) مستأنفة أخبر بها عن حال «المسترقين» ، لا صفة لـ «كلّ شيطان» ، ولا حال منه ؛ إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع ، وحينئذ فلا يلزم عود الضمير إلى «كلّ» ، ولا إلى ما أضيفت إليه ، وإنما هو عائد إلى الجمع المستفاد من الكلام.
وإن كان «كلّ» مضافة إلى معرفة فقالوا : يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها ، نحو : «كلهم قائم ، أو قائمون» ، وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) [مريم : ٩٣ ـ ٩٥]. والصّواب أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردا مذكّرا على لفظها ، نحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [مريم : ٩٥] الآية ، وقوله تعالى فيما يحكيه عنه نبيه عليه الصلاة والسّلام : «يا عبادي كلّكم جائع إلّا من أطعمته» الحديث ، وقوله عليه الصلاة والسّلام : «كلّ النّاس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» ، و «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته» ، و «كلّنا لك عبد». ومن ذلك : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٦] ، وفي الآية حذف مضاف ، وإضمار لما دلّ عليه المعنى لا اللّفظ ، أي أن كلّ أفعال هذه الجوارح كان المكلف مسؤولا عنه ، وإنما قدّرنا المضاف لأن السؤال عن أفعال الحواس ، لا عن أنفسها ، وإنّما لم يقدّر ضمير (كانَ) راجعا لكلّ لئلّا يخلو (مَسْؤُلاً) عن ضمير فيكون حينئذ مسندا إلى (عَنْهُ) كما توهّم بعضهم ، ويردّه أن الفاعل ونائبه لا يتقدّمان على عاملهما ؛ وأمّا (لَقَدْ أَحْصاهُمْ) [مريم : ٩٤] فجملة أجيب بها القسم ، وليست خبرا عن كل ، وضميرها راجع لمن ، لا لكل ، ومن معناها الجمع.
فإن قطعت عن الإضافة لفظا ؛ فقال أبو حيّان : يجوز مراعاة اللفظ نحو : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الإسراء : ٨٤] ، (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٤٠] ، ومراعاة المعنى ، نحو : (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) [الأنفال : ٥٤]. والصواب أن المقدّر يكون مفردا نكرة ؛ فيجب الإفراد كما لو صرّح بالمفرد ، ويكون جمعا معرّفا فيجب الجمع ، وإن كانت المعرفة لو