ذكرت لوجب الإفراد ، ولكن فعل ذلك تنبيها على حال المحذوف فيهما ، فالأوّل نحو : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الإسراء : ٨٤] ، (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : ٢٨٥] ، (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) [النور : ٤١] ، إذ التقدير كلّ أحد ؛ والثاني ، نحو : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [البقرة : ١١٦] ، (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء : ٣٣] ، (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧] ، (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) [الأنفال : ٥٤] ، أي : كلهم.
مسألتان ـ الأولى : قال البيانيون : إذا وقعت «كلّ» في حيّز النفي كان النفي موجّها إلى الشّمول خاصة ، وأفاد بمفهومة ثبوت الفعل لبعض الأفراد ، كقولك : «ما جاء كلّ القوم ، ولم آخذ كلّ الدراهم ، وكل الدراهم لم آخذ» وقوله [من البسيط] :
ما كلّ رأي الفتى يدعو إلى رشد
وقوله [من البسيط] :
١٢٤ ـ ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه |
|
[تأتي الرّياح بما لا تشتهي السّفن](١) |
وإن وقع النفي في حيّزها اقتضى السّلب عن كل فرد ، كقوله عليه الصلاة والسّلام ـ لما قال له ذو اليدين : «أنسيت أم قصرت الصلاة» ـ : «كلّ ذلك لم يكن» ، وقول أبي النجم [من الرجز] :
١٢٥ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي |
|
عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (٢) |
وقد يشكل على قولهم في القسم الأوّل قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [الحديد : ٢٣].
وقد صرح الشّلوبين وابن مالك في بيت أبي النّجم بأنه لا فرق في المعنى بين رفع «كلّ» ونصبه ؛ وردّ الشّلوبين على ابن أبي العافية إذ زعم أن بينهما فرقا ، والحقّ ما قاله البيانيّون ، والجواب عن الآية أن دلالة المفهوم إنما يعوّل عليها عند عدم المعارض ، وهو هنا موجود ؛ إذ دلّ الدليل على تحريم الاختيال والفخر مطلقا.
الثانية : «كل» في نحو : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا) [البقرة : ٢٥] ، منصوبة
__________________
(١) البيت من البحر البسيط ، وهو للمتنبي في ديوانه ٤ / ٣٦٦ ، وتاج العروس ١ / ١١٩ في شرح خطبة المصنف.
(٢) البيت من الرجز وهو لأبي الخيار في التبيان في إعراب القرآن ١ / ٢١٨ ، ودلائل الإعجاز ١ / ٢١٥ ، والإيضاح ١ / ٢٩ ، والدرر الكامنة ٦ / ٤٠ ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٦١.