الظرفيّة ، ولكن ناصبها محذوف مدلول عليه بجرّ المذكور في الجواب ، وليس العامل المذكور لوقوعه بعد الفاء و «إن» ؛ ولما أشكل ذلك على ابن عصفور قال وقلّده الأبّذيّ : إن «كلّا» في ذلك مرفوعة بالابتداء ، وإن جملتي الشرط والجواب خبرها ، وإن الفاء دخلت في الخبر كما دخلت في نحو : «كلّ رجل يأتيني فله درهم» ؛ وقدّرا في الكلام حذف ضميرين ، أي : كلّما استدعيتك فيه فإن زرتني فعبدي حرّ بعده ؛ لترتبط الصفة بموصوفها والخبر بمبتدئه.
قال أبو حيان : وقولهما مدفوع بأنه لم يسمع «كل» في ذلك إلا منصوبة ، ثم تلا الآيات المذكورة ، وأنشد قوله [من الوافر] :
١٢٦ ـ أبت لي همّتي وأبى بلائي |
|
وأخذي الحمد بالتمني الربيح |
١٢٧ ـ وإقحامي على المكروه نفسي |
|
وضربي هامة البطل المشيح |
١٢٨ ـ وقولي كلّما جشأت وجاشت |
|
مكانك تحمدي أو تستريحي (١) |
وليس هذا ممّا البحث فيه ، لأنه ليس فيه ما يمنع من العمل.
* (كلا ، وكلتا) : مفردان لفظا مثنّيان معنى ، مضافان أبدا لفظا ومعنى إلى كلمة واحدة معرفة دالّة على اثنين ، إما بالحقيقة والتّنصيص نحو : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ) [الكهف : ٣٣] ، ونحو : (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) [الإسراء : ٢٣] ، وإما بالحقيقة والاشتراك ، نحو : «كلانا» فإن «نا» مشتركة بين الاثنين والجماعة ، أو بالمجاز كقوله [من الرمل] :
١٢٩ ـ إنّ للخير وللشّرّ مدى |
|
وكلا ذلك وجه وقبل (٢) |
فإنّ «ذلك» حقيقة في الواحد ، وأشير بها إلى المثنى على معنى : وكلا ما ذكر ، على حدها في قوله تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨] وقولنا: «كلمة واحدة» احتراز من قوله [من البسيط] :
١٣٠ ـ كلا أخي وخليلي واجدي عضدا |
|
[وساعدا عند إلمام الملمّات](٣) |
__________________
(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لعمرو بن الإطنابة في المزهر في علوم اللغة ٢ / ٢٦٦ ، والكامل ٣ / ١٨٢.
(٢) البيت من البحر الرمل ، وهو لعبد الله بن الزبعري في ديوانه ص ٤١ ، والأغاني ١٥ / ١٣٦ ، والدرر ٥ / ٢٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٣٩ وشرح الأشموني ٢ / ٣١٧.
(٣) البيت من البحر البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٤٠ ، والدرر ٣ / ١١٢ وشرح شواهد المغني ص ٥٥٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٩.