انفرادها به ، لا أنه قصدها ، بدليل (وَراوَدَتْهُ) [يوسف : ٢٣] ، فلا وجه لإنكار الفارسي هذه القراءة مع ثبوتها واتّجاهها. ويحتمل أنها أصل قراءة هشام هيت بكسر الهاء وبالياء وبفتح التاء ، وتكون على إبدال الهمزة.
تنبيه ـ الظاهر أن «لها» من قول المتنبي [من البسيط]:
١٦٨ ـ لولا مفارقة الأحباب ما وجدت |
|
لها المنايا إلى أرواحنا سبلا (١) |
جار ومجرور متعلّق بـ «وجدت» ، لكن فيه تعدّي فعل الظّاهر إلى ضميره المتّصل كقولك : «ضربه زيد» وذلك ممتنع ، فينبغي أن يقدّر صفة في الأصل لـ «سبلا» فلما قدّم عليه صار حالا منه ، كما أن قوله : «إلى أرواحنا» كذلك ، إذ المعنى : سبلا مسلوكة إلى أرواحنا. ولك في «لها» وجه غريب ، وهو أن تقدّره جمعا لـ «حصاة وحصى» ، ويكون «لها» فاعلا بـ «وجدت» ، و «المنايا» مضافا إليه ، ويكون إثبات اللهوات للمنايا استعارة ، شبهت بشيء يبتلع الناس ، ويكون أقام «اللها» مقام الأفواه لمجاورة اللهوات للفم.
وأما اللام العاملة للجزم فهي اللام الموضوعة للطلب ، وحركتها الكسر ، وسليم تفتحها ، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها ، نحو : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) [البقرة : ١٨٦] ، وقد تسكّن بعد «ثم» ، نحو : (ثُمَّ لْيَقْضُوا) [الحج : ٢٩] في قراءة الكوفيّين وقالون والبزي ، وفي ذلك رد على من قال : إنه خاصّ بالشعر.
ولا فرق في اقتضاء اللام الطلبيّة للجزم بين كون الطلب أمرا ، نحو : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) [الطلاق : ٧] ، أو دعاء ، نحو : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] ، أو التماسا كقولك لمن يساويك : «ليفعل فلان كذا» ، إذا لم ترد الاستعلأ عليه. وكذا لو أخرجت عن الطلب إلى غيره ، كالتي يراد بها وبمصحوبها الخبر نحو : (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] ، (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] ، أي : فيمدّ ونحمل ، أو التّهديد ، نحو : (وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ، وهذا هو معنى الأمر في (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] ، وأما (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا) [العنكبوت : ٦٦] فيحتمل اللامان منه التعليل ، فيكون ما بعدهما منصوبا ، والتهديد فيكون مجزوما ، ويتعيّن الثاني في اللام الثانية في قراءة من سكّنها ، فيترجّح بذلك أن تكون اللام الأولى كذلك ، ويؤيّده أن بعدهما (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [العنكبوت : ٦٦] ؛ وأما (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) [المائدة : ٤٧] فيمن قرأ
__________________
(١) البيت من البحر البسيط ، وهو لأبي الطيب المتنبي في خزانة الأدب ١ / ١٣٦ ، والإيضاح ص ٣٧٤.