وقيل : «يقيموا» مبنيّ ؛ لحلوله محل «أقيموا» ، وهو مبني ، وليس بشيء.
وزعم الكوفيّون وأبو الحسن أن لام الطلب حذفت حذفا مستمرّا في نحو : «قم» و «اقعد» وأن الأصل : «لتقم» و «لتقعد» ، فحذفت اللام للتخفيف ، وتبعها حرف المضارعة.
وبقولهم أقول ؛ لأن الأمر معنى حقّه أن يؤدّى بالحرف ، ولأنه أخو النّهي ولم يدلّ عليه إلا بالحرف ، ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزّمان المحصل ، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده ، ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل كقوله [من الخفيف] :
١٧٥ ـ لتقم أنت يا ابن خير قريش |
|
[كي لتقضي حوائج المسلمينا](١) |
وكقراءة جماعة : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨] ، وفي الحديث : «لتأخذوا مصافّكم» ؛ ولأنك تقول «اغز» ، و «اخش» ، و «ارم» و «اضربا» ، و «اضربوا» و «اضربي» ، كما تقول في الجزم ؛ ولأن البناء لم يعهد كونه بالحذف ؛ ولأن المحققين على أن أفعال الإنشاء مجرّدة عن الزمان كـ «بعت» و «أقسمت» و «قبلت» ؛ وأجابوا عن كونها مع ذلك أفعالا بأن تجرّدها عارض لها عند نقلها عن الخبر ، ولا يمكنهم ادّعاء ذلك في نحو : «قم» ، لأنه ليس له حالة غير هذه ، وحينئذ فتشكل فعليّته ، فإذا ادعى أن أصله : «لتقم» كان الدال على الإنشاء اللام لا الفعل.
وأما اللام غير العاملة فسبع :
إحداها : لام الابتداء ، وفائدتها أمران : توكيد مضمون الجملة ، ولهذا زحلقوها في باب «إنّ» عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكّدين ، وتخليص المضارع للحال.
كذا قال الأكثرون ، واعترض ابن مالك الثاني بقوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [النحل : ١٢٤] ، (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) [يوسف : ١٣] ، فإن «الذهاب» كان مستقبلا ، فلو كان الحزن حالا لزم تقدّم الفعل في الوجود على فاعله مع أنه أثره ؛ والجواب أنّ الحكم واقع في ذلك اليوم لا محالة ، فنزل منزلة الحاضر المشاهد ، وأن التقدير : قصد أن تذهبوا ، والقصد حال ، وتقدير أبي حيان : قصدكم أن تذهبوا ، وردّوه بأنه يقتضي حذف الفاعل ، لأن (أَنْ تَذْهَبُوا) [يوسف : ١٣] على تقديره منصوب.
__________________
(١) البيت من البحر الخفيف ، وهو بلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٢٥ ، وتذكرة النحاة ص ٦٦٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٤ ـ ١٠٦.