بل هو في الآية أسهل ؛ لعدم الفصل ، وهو فيهما سماعيّ ، والذي جوّزه تشبيه «لا» النافية بـ «لا» الناهية ، وعلى هذا الوجه تكون الإصابة عامّة للظالم وغيره ، لا خاصة بالظالمين كما ذكره الزمخشريّ ؛ لأنها قد وصفت بأنها لا تصيب الظالمين خاصة ، فكيف تكون مع هذا خاصّة بهم؟
والثاني : أن الفعل جواب الأمر ، وعلى هذا فيكون التوكيد أيضا خارجا عن القياس شاذّا ، وممّن ذكر هذا الوجه الزمخشريّ ، وهو فاسد ، لأن المعنى حينئذ : فإنكم إن تتّقوها لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة ؛ وقوله : إن التقدير : إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة مردود ، لأنّ الشرط إنما يقدر من جنس الأمر ، لا من جنس الجواب. ألا ترى أنك تقدّر في «ائتني أكرمك» : إن تأتني أكرمك. نعم ، يصحّ الجواب في قوله : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [البقرة : ٢٣٧] الآية ، إذ يصحّ : إن تدخلوا لا يحطمنكم ، ويصح أيضا النهي على حد «لا أرينّك ههنا» ، وأما الوصف فيأتي مكانه هنا أن تكون الجمة حالا ، أي : ادخلوها غير محطومين ، والتوكيد بالنون على هذا الوجه وعلى الوجه الأول سماعي ، وعلى النهي قياسيّ.
ولا فرق في اقتضاء «لا» الطلبيّة للجزم بين كونها مفيدة للنهي سواء كان للتحريم كما تقدّم ، أو للتّنزيه ، نحو : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة : ٢٣٧] ، وكونها للدعاء ، كقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) [البقرة : ٢٨٦] ، وقول الشاعر [من الطويل] :
٢١٣ ـ يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ، |
|
وأين مكان البعد إلّا مكانيا؟ (١) |
وقول الآخر [من الوافر] :
٢١٤ ـ فلا تشلل يد فتكت بعمرو ، |
|
فإنّك لن تذلّ ولن تضاما (٢) |
ويحتمل النهي والدّعاء قول الفرزدق [من الطويل] :
٢١٥ ـ إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد |
|
لها أبدا ما دام فيها الجراضم (٣) |
__________________
(١) البيت من الطويل ، لمالك بن الريب في ديوانه ٤٦ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٣٨ ، ولسان العرب ٣ / ٩١ مادة (بعد).
(٢) البيت من الوافر ، وهو لرجل من بكر بن وائل ، في نوادر أبي زيد ص ٧.
(٣) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في الأزهية ص ١٥٠ ، وليس في ديوانه وللوليد بن عقبة في شرح التصريح ٢ / ٢٤٦ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢٠٠.