أحدهما : أنه شيء تقدّم ، وهو ما حكي عنهم كثيرا من إنكار البعث ، فقيل لهم :
ليس الأمر كذلك ، ثم استؤنف القسم ؛ قالوا : وإنما صحّ ذلك لأن القرآن كله كالسّورة الواحدة ، ولهذا يذكر الشيء في سورةو جوابه في سورةأخرى ، نحو : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (٦) [الحجر : ٦] وجوابه : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (٢) [القلم : ٢].
والثاني : أن منفيّها «أقسم» ، وذلك على أن يكون إخبارا لا إنشاء ، واختاره الزمخشري ، والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له ؛ بدليل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٥ ـ ٧٦] ، فكأنّه قيل : إن إعظامه بالإقسام به كلا إعظام ، أي : أنه يستحق إعظاما فوق ذلك ؛ وقيل : هي زائدة.
واختلف هؤلاء في فائدتها على قولين :
أحدهما : أنها زيدت توطئة وتمهيدا لنفي الجواب ، والتقدير : لا أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى ، ومثله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء : ٦٥] ، وقوله [من المتقارب] :
٢١٨ ـ فلا وأبيك ، ابنة العامريّ ، |
|
لا يدّعي القوم أنّي أفر (١) |
ورد بقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) (١) [البلد : ١] الآيات ؛ فإن جوابه مثبت وهو (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٤) [البلد : ٤] ، ومثله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (٧٥) الآية [الواقعة : ٧٥] ؛ والثاني : أنها زيدت لمجرّد التوكيد وتقوية الكلام ، كما في (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩] وردّ بأنها لا تزاد لذلك صدرا ، بل حشوا ، كما أن زيادة «ما» و «كان» كذلك ، نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] ، (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨] ، ونحو : «زيد كان فاضل» ، وذلك لأن زيادة الشيء تفيد اطراحه ، وكونه أول الكلام يفيد الاعتناء به ، قالوا : ولهذا نقول بزيادتها في نحو : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : ٤٠] ، (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (٧٥) [الواقعة : ٧٥] ، لوقوعها بين الفاء ومعطوفها ، بخلاف هذه ، وأجاب أبو علي بما تقدم من أن القرآن كالسورةالواحدة.
الموضع الثاني : قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ
__________________
(١) البيت من البحر المتقارب ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٥٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٣٥ ، وبلا نسبة في المحتسب ٢ / ٢٧٣.