الشرط ، ولم نر أحدا صرّح بخلاف ذلك ، إلا ابن الحاجب وابن الخباز.
فأما ابن الحاجب فإنه قال في أماليه : ظاهر كلامهم أن الجواب امتنع لامتناع الشرط ؛ لأنهم يذكرونها مع «لولا» ، فيقولون : «لولا» حرف امتناع لوجود ، والممتنع مع «لولا» هو الثاني قطعا ؛ فكذا يكون قولهم في «لو» ، وغير هذا القول أولى ؛ لأن انتفاء السبب لا يدلّ على انتفاء مسبّبة ؛ لجواز أن يكون ثم أسباب أخر. ويدلّ على هذا : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] فإنها مسوقة لنفي التعدّد في الآلهة بامتناع الفساد ، لا أن امتناع الفساد لامتناع الآلهة ، لأنه خلاف المفهوم من سياق أمثال هذه الآية ، ولأنه لا يلزم من انتفاء الآلهة انتفاء الفساد ؛ ولجواز وقوع ذلك وإن لم يكن تعدّد في الآلهة ؛ لأن المراد بالفساد فساد نظام العالم عن حاله ، وذلك جائز أن يفعله الإله الواحد سبحانه. ا ه.
وهذا الذي قاله خلاف المتبادر في مثل «لو جئتني أكرمتك» ، وخلاف ما فسروا به عبارتهم ، إلّا بدر الدين ، فإن المعنى انقلب عليه ، لتصريحه أولا بخلافه ؛ وإلّا ابن الخباز ، فإنه من ابن الحاجب أخذ ، وعلى كلامه اعتمد ، وسيأتي البحث معه.
وقوله : «المقصود نفي التعدّد لانتفاء الفساد» مسلّم ، ولكن ذلك اعتراض على من قال : إن «لو» حرف امتناع لامتناع ، وقد بينّا فساده.
فإن قال : إنه على تفسيري لا اعتراض عليهم.
قلنا : فما تصنع بـ «لو جئتني لأكرمتك» ، و (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [الأنفال : ٢٣] ، فإنّ المراد نفي الإكرام والإسماع لانتفاء المجيء وعلم الخير فيهم ، لا العكس.
وأما ابن الخباز فإنه في شرح الدرّة وقد تلا قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) [الأعراف : ١٧٦] : يقول النحويون : إن التقدير لم نشأ فلم نرفعه ، والصواب لم نرفعه فلم نشأ ؛ لأن نفي اللازم يوجب نفي الملزوم ، ووجود الملزوم يوجب وجود اللازم ، فيلزم من وجود المشيئة وجود الرفع ، ومن نفي الرفع نفي المشيئة ، ا ه.
والجواب أن الملزوم هنا مشيئة الرّفع لا مطلق المشيئة ، وهي مساوية للرفع ، أي متى وجدت وجد ، ومتى انتفت انتفى ، وإذا كان اللازم والملزوم بهذه الحيثية لزم من نفي كل منهما انتفاء الآخر.
الاعتراض الثالث على كلام بدر الدين : أن ما قاله من التأويل ممكن في بعض المواضع دون بعض ، فمما أمكن فيه قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا) الآية [النساء :