الثاني
من أوجه «لمّا» : أن تختصّ بالماضي ،
فتقتضي جملتين
وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما ، نحو : «لما جاءني أكرمته». ويقال فيها : حرف
وجود لوجود ، وبعضهم يقول : حرف وجوب لوجوب ، وزعم ابن السرّاج ، وتبعه الفارسي ،
وتبعهما ابن جنّي ، وتبعهم جماعة أنها ظرف بمعنى «حين» ، وقال ابن مالك : بمعنى «إذ»
، وهو حسن ، لأنها مختصّة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة.
وردّ ابن خروف
على مدّعي الاسميّة بجواز أن يقال : «لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم» ، لأنها إذا
قدّرت ظرفا كان عاملها الجواب ، والواقع في اليوم لا يكون في الأمس.
والجواب أن هذا
مثل (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ
فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة : ١٦] والشرط لا يكون إلا مستقبلا ، ولكن المعنى إن ثبت أني كنت
قلت ، وكذا هنا المعنى لما ثبت اليوم إكرامك لي أمس أكرمتك.
ويكون جوابها
فعلا ماضيا اتّفاقا ؛ وجملة اسمية مقرونة بـ «إذا» الفجائيّة أو بالفاء عند ابن
مالك ؛ وفعلا مضارعا عند ابن عصفور. دليل الأوّل : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ
إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) [الإسراء : ٦٧] ، والثاني : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ
إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥] ، والثالث : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ
إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان : ٣٢] ، والرابع : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ
إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا) [هود : ٧٤] ، وهو مؤوّل بـ «جادلنا» ، وقيل في آيةالفاء : إن الجواب محذوف
، أي : انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ، وفي آيةالمضارع إن الجواب (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) على زيادة الواو ، أو محذوف ، أي : أقبل يجادلنا.
ومن مشكل «لمّا»
هذه قول الشاعر [من الطويل] :
٢٧٧ ـ أقول لعبد الله لمّا سقاؤنا
|
|
ونحن بوادي
عبد شمس وهاشم
|
فيقال : أين
فعلاها؟ والجواب أن «سقاؤنا» فاعل بفعل محذوف يفسّره وهى بمعنى «سقط» ، والجواب
محذوف تقديره : قلت ، بدليل قوله : أقول ، وقوله «شم» أمر من قولك : «شمت البرق»
إذا نظرت إليه ، والمعنى لما سقط سقاؤنا قلت لعبد الله شمه.
والثالث
: أن تكون حرف استثناء ،
فتدخل على
الجملة الاسميّة ، نحو : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ
لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤) [الطارق : ٤] فيمن شدّد الميم ، وعلى الماضي لفظا لا معنى نحو : «أنشدك
الله لمّا فعلت» ، أي : ما أسألك إلّا فعلك ، قال [من الرجز] :
__________________