٢٧٨ ـ قالت له : بالله يا ذا البردين |
|
لمّا غنثت نفسا أو اثنين (١) |
وفيه رد لقول الجوهري : إنّ «لما» بمعنى «إلّا غير» معروف في اللغة.
وتأتي «لمّا» مركّبة من كلمات ، ومن كلمتين.
فأما المركّبة من كلمات فكما تقدم في : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ) [هود : ١١١] في قراءة ابن عامر وحمزة وحفص بتشديد نون «إنّ» وميم «لمّا» ، فيمن قال : الأصل : لمن ما فأبدلت النون ميما وأدغمت ، فلما كثرت الميمات حذفت الأولى ، وهذا القول ضعيف ؛ لأن حذف مثل هذه الميم استثقالا لم يثبت ، وأضعف منه قول آخر : إن الأصل : «لمّا» بالتنوين بمعنى جمعا ، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف ، لأن استعمال «لمّا» في هذا المعنى بعيد ، وحذف التنوين من المنصرف في الوصف أبعد.
وأضعف من هذا قول آخر : إنه فعلى من «اللّمم» ، وهو بمعناه ؛ ولكنّه منع الصرف لألف التأنيث ، ولم يثبت استعمال هذه اللفظة ، وإذا كان «فعلى» فهلّا كتب بالياء ، وهلّا أماله من قاعدته الإمالة. واختار ابن الحاجب أنها «لمّا» الجازمة حذف فعلها ، والتقدير : لما يهملوا ، أو لما يتركوا ، لدلالة ما تقدّم من قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود : ١٠٥] ، ثمّ ذكر الأشقياء والسّعداء ومجازاتهم ، قال : ولا أعرف وجها أشبه من هذا ، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في التنزيل ، والحقّ أن لا يستبعد لذلك ، ا ه.
وفي تقديره نظر. والأولى عندي أن يقدّر «لمّا يوفّوا أعمالهم» أي : أنهم إلى الآن لم يوفّوها وسيوفّونها ، ووجه رجحانه أمران : أحدهما : أن بعده (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) وهو دليل على أن التوفية لم تقع بعد وأنّها ستقع ؛ والثاني : أن منفيّ «لمّا» متوقّع الثبوت كما قدّمنا ، والإهمال غير متوقّع الثبوت.
وأما قراءة أبي بكر بتخفيف (إِنَ) وتشديد (لَمَّا) فتحتمل وجهين ؛ أحدهما : أن تكون مخفّفة من الثقيلة ، ويأتي في «لمّا» تلك الأوجه ؛ والثاني : أن تكون «أن» نافية ، و (كُلًّا) مفعول بإضمار «أرى» ، و «لمّا» بمعنى «إلّا».
__________________
(١) البيت من البحر الرجز ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٩٣ ، والدرر ٣ / ١٨٨ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٨٣ ، ولسان العرب مادة (غنث) ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٦.