وأما شبهته فجوابها أن الاستفهام هنا ليس على حقيقته ؛ فإن أجاب بأنه كذلك في نحو : «علمت أزيد قائم» وقد أبقى عليه استحقاق الصّدريّة بدليل التعليق ، قلنا : بل الاستفهام مراد هنا ، إذ المعنى علمت ما يجاب به قول المستفهم أزيد قائم ، وأما في الآية ونحوها فلا استفهام ألبتة ، لا من ...
______________________________________________________
وقوعها فاعلا أو مبتدأ مشكل أيضا ؛ لأنه لا سابك في اللفظ فيلزم الشذوذ مثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، برفع تسمع وعدم تقدير الحرف السابك وهو الحرف المصدري ، وادعاء الشذوذ هنا باطل ، لأن هذا تركيب فصيح كثير الاستعمال ، قلت : سبك الجملة بالمفرد من غير حرف مصدري يكون آلة لسبك إنما يكون شاذا إذا لم يطرد في باب ، أما إذا اطرد في باب واستمر فيه فإنه لا يكون شاذا ، مثل لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، فإنك إذا نصبت تشرب نصبته بأن مقدرة فيصير اسما معطوفا في الظاهر على فعل ، وهو ممتنع إلا عند التأويل فاحتجنا إلى أن نتصيد من الفعل الأول مصدرا من غير سابك ، ولا يعد مثل هذا شاذا لاطراده في بابه وكذا إضافة اسم الزمان مثلا إلى الجملة نحو : جئت حين جاء زيد ، أي : حين مجيء زيد فأولت الجملة بالمفرد من غير أن يكون هناك حرف مصدري ، وليس بشاذا أيضا لاطراده في بابه ، وهنا في باب التسوية أولت الجملة بالمفرد تأويلا مطردا بدون أداة ، فلم يعد شاذا.
فإن قيل : جعلوا الجملتين الواقعتين بعد سواء في تقدير مفردين معطوف أحدهما على الآخر بواو العطف ، ولا شك أن أم لأحد الأمرين ، وما يتعلق به سواء لا يكون إلا متعددا فالجواب أن الدلالة على أحد الأمرين منسلخة عن أم ، كما أن معنى الاستفهام منسلخ عنها وعن الهمزة ، وكلاهما هنا لمجرد معنى الاستواء ، فإن قيل : لو تجردنا لمعنى الاستواء لكان الإخبار بسواء تكرارا خاليا عن الفائدة بمنزلة قولك : المستويان مستويان ، فالجواب أن الاستواء الذي تجردت الهمزة وأم لمعناه هو الاستواء الذي كانتا متضمنتين له عند حقيقة الاستفهام ، أي : عن الاستواء في علم المستفهم ، والاستواء المستفاد من سواء هو الاستواء في الغرض المسوق لذا الكلام ، كأنه قيل : المستويان في علمك مستويان في عدم النفع.
(وأما شبهته) أي : شبهة ابن عمرون القائلة لا يعمل في الاستفهام ما قبله (فجوابها أن الاستفهام ليس هنا على حقيقته) فيعمل فيه ما قبله ، وذلك لأن همزة التسوية قد جردت عن معنى الاستفهام البتة ، وصار الكلام معها خبرا محضا (فإن أجاب بأنه كذلك في علمت أزيد قائم) ضرورة أن العلم بالشيء والاستفهام عنه متنافيان (وقد أبقى عليه استحقاق الصدرية قلنا : بل الاستفهام مراد هنا إذ المعنى علمت ما يجاب به قول المستفهم أزيد قائم) وقد مر ذلك في الكلام على أم ، ويأتي أيضا في الباب الثاني (وأما في الآية ونحوها فلا استفهام البتة ، لا من