ولا يمتنع كون خبرها فعلا ماضيا خلافا للحريري ، وفي الحديث «وما يدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ، وقال الشاعر [من الطويل] :
٢٩٦ ـ وبدّلت قرحا داميا بعد صحّة ، |
|
لعلّ منايانا تحوّلن أبؤسا (١) |
وأنشد سيبويه [من الطويل] :
٢٩٧ ـ أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما |
|
أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا (٢) |
فإن اعترض بأن «لعلّ» هنا مكفوفة بـ «ما» ، فالجواب أن شبهة المانع أن «لعلّ» للاستقبال فلا تدخل على الماضي ، ولا فرق على هذا بين كون الماضي معمولا لها أو معمولا لما في حيّزها. ومما يوضح بطلان قوله ثبوت ذلك في خبر «ليت» وهي بنمزلة «لعلّ» ، نحو : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) [مريم : ٢٣] ، (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠] ، (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) [الفجر : ٢٤] ، (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ) [النساء : ٧٣].
تنبيه ـ من مشكل باب «ليت» وغيره قول يزيد بن الحكم [من الطويل] :
٢٩٨ ـ فليت كفافا كان خيرك كلّه |
|
وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي (٣) |
وإشكاله من أوجه ، أحدها : عدم ارتباط خبر «ليت» باسمها ، إذ الظاهر أن «كفافا» اسم «ليت» ، وأنّ «كان» تامّة ، وأنها وفاعلها الخبر ؛ ولا ضمير في هذه الجملة. والثاني : تعليقه «عن» بـ «مرتو». والثالث : إيقاعه «الماء» فاعلا بـ «ارتوى» ؛ وإنما يقال : ارتوى الشارب.
والجواب عن الأول أن «كفافا» إنما هو خبر لـ «كان» مقدّم عليها وهو بمعنى «كافّ» ، واسم «ليت» محذوف للضرورة ، أي : فليتك أو فليته : أي فليت الشأن ، ومثله قوله [من الطويل] :
٢٩٩ ـ فليت دفعت الهمّ عنّي ساعة |
|
[فبتنا ، على ما خيّلت ، ناعمي بال](٤) |
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٠٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣١ ، والدرر ٢ / ٥٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٩٥ ، وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١١٢.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ١٨٠ ، والدرر ٢١ / ٢٠٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١١٦ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٩٣ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣١٩.
(٣) البيت من البحر الطويل ، وهو ليزيد بن الحكم في الأغاني ١٢ / ٢٩٩ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٧٢ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٢٦ ، والإنصاف ١ / ١٨٤.
(٤) البيت من الطويل ، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص ١٦٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٩٧ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٨٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٤٥.