فأحدها : أن تكون معرفة ، وهي نوعان : ناقصة ، وهي الموصولة ، نحو : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل : ٩٦] ، وتامّة ، وهي نوعان : عامّة أي : مقدّرة بقولك الشيء ، وهي التي يتقدّمها اسم تكون هي وعاملها صفة له في المعنى ، نحو : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة : ٢٧١] ، أي : فنعم الشيء هي ؛ والأصل : فنعم الشيء إبداؤها ، لأن الكلام في الإبداء لا في الصدقات ، ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه ، فانفصل وارتفع ، وخاصّة وهي التي تقدمها ذلك ، وتقدّر من لفظ ذلك الاسم ، نحو : «غسلته غسلا نعمّا» و «دققته دقّا نعمّا» ، أي : نعم الغسل ونعم الدقّ. وأكثرهم لا يثبت مجيء «ما» معرفة تامة ، وأثبته جماعة منهم ابن خروف ونقله عن سيبويه.
والثاني : أن تكون نكرة مجرّدة عن معنى الحرف ، وهي أيضا نوعان : ناقصة ، وتامة.
فالناقصة هي الموصوفة ، وتقدّر بقولك : «شيء» ، كقولهم : «مررت بما معجب لك» ، أي : بشيء معجب لك ، وقوله [من الطويل] :
٣١٣ ـ لما نافع يسعى اللبيب ، فلا تكن |
|
لشيء بعيد نفعه الدّهر ساعيا (١) |
وقول الآخر [من الخفيف] :
٣١٤ ـ رّبّما تكره النّفوس من الأم |
|
ر له فرجة كحلّ العقال (٢) |
أي : رب شيء تكرهه النّفوس ، فحذف العائد من الصفة إلى الموصوف. ويجوز أن تكون «ما» كافة ، والمفعول المحذوف اسما ظاهرا ، أي قد تكره النفوس من الأمر شيئا ، أي : وصفا فيه ، أو الأصل : أمرا من الأمور ، وفي هذا إنابة المفرد عن الجمع ، وفيه وفي الأول إنابة الصّفة غير المفردة عن الموصوف ؛ إذ الجملة بعده صفة له ؛ وقد قيل في : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) [النساء : ٥٨] : إن المعنى نعم هو شيئا يعظكم به. فـ «ما» نكرة تامّة تمييز ، والجملة صفة ، والفاعل مستتر ؛ وقيل : «ما» معرفة موصولة فاعل ، والجملة صلة ، وقيل غير ذلك. وقال سيبويه في : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) [ق : ٢٣] : المراد : شيء لدّي عتيد ، أي : معدّ أي لجهنّم بإغوائي إياه ، أو حاضر ؛ والتفسير الأول رأي
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٧٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٧.
(٢) البيت من الخفيف ، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٥٠ ، وحماسة البحتري ص ٢٢٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ١٠٨ ، ١١٣ ، والدرر ١ / ٧٧.