استدلّ به ابن مالك على مجيئها للزمان ، وليس بقاطع ؛ لاحتماله للمصدر ؛ أي للمفعول المطلق ، فالمعنى : أيّ كون تكون فينا طويلا أو قصيرا.
وأما أوجه الحرفية :
فأحدها : أن تكون نافية ،فإن دخلت على الجملة الاسمية أعملها الحجازيّون والتهاميّون والنجديّون عمل «ليس» بشروط معروفة ، نحو : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] ، (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة : ٢] ، وعن عاصم أنه رفع «أمهاتهم» على التميميّة ، وندر تركيبها مع النكرة تشبيها لها بـ «لا» كقوله [من الطويل] :
٣٢٦ ـ وما بأس لو ردّت علينا تحيّة |
|
قليل على من يعرف الحقّ عابها (١) |
وإن دخلت على الفعليّة لم تعمل ، نحو : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) [البقرة : ٢٧٢] ، فأما : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) [البقرة : ٢٧٢] ، (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) [البقرة : ٢٧٢] ، فـ «ما» فيهما شرطيّة ، بدليل الفاء في الأولى والجزم في الثانية ؛ وإذا نفت المضارع تخلّص عند الجمهور للحال. وردّ عليهم ابن مالك بنحو : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ) [يونس : ١٥] وأجيب بأن شرط كونه للحال انتفاء قرينة خلافه.
والثاني : أن تكون مصدريّة ، وهي نوعان : زمانية ، وغيرها.
فغير الزمانية نحو : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) [التوبة : ١٢٨] ، (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) [آل عمران : ١١٨] ، (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) [التوبة : ٢٥ ، ١١٨] ، (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) [السجدة : ١٤] ، (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [ص : ٢٦] ، (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) [القصص : ٢٥] وليست هذه بمعنى «الذي» ، لأن الذي سقاه لهم الغنم ، وإنما الأجر على السّقي الذي هو فعله ، لا على الغنم ، فإن ذهبت تقدّر أجر السقي الذي سقيته لنا فذلك تكلّف لا محوج إليه ، ومنه (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة : ١٠] و [التوبة : ٧٧] ، (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) [البقرة : ١٣] ، وكذا حيث اقترنت بكاف التشبيه بين فعلين متماثلين.
وفي هذه الآيات ردّ لقول السّهيلي : أن الفعل بعد «ما» هذه لا يكون خاصا ، فتقول : «أعجبني ما تفعل» ولا يجوز «أعجبني ما تخرج».
والزمانيّة ، نحو : (ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم : ٣١] أصله : مدّة دوامي حيّا ، فحذف الظرف
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تاج العروس مادة / ما /.