وخلفته «ما» وصلتها ، كما جاء في المصدر الصريح ، نحو : «جئتك صلاة العصر» ، و «آتيك قدوم الحاج» ، ومنه (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) [هود : ٨٨] ، (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦] ، وقوله [من الطويل] :
٣٢٧ ـ أجارتنا إنّ الخطوب تنوب |
|
وإنّي مقيم ما أقام عسيب (١) |
ولو كان معنى كونها زمانيّة أنها تدل على الزمان بذاتها لا بالنيابة لكانت اسما ولم تكن مصدرية كما قال ابن السكيت وتبعه ابن الشجري في قوله [من البسيط] :
٣٢٨ ـ منّا الّذي هو ما إن طرّ شاربه ، |
|
والعانسون ، ومنّا المرد والشّيب (٢) |
معناه : حين طرّ ، قلت : وزيدت «أن» بعدها لشبهها في اللفظ بـ «ما» النافية ، كقوله [من الطويل] :
٣٢٩ ـ ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته |
|
على السّنّ خيرا لا يزال يزيد (٣) |
وبعد فالأولى في البيت تقدير «ما» نافية ، لأن زيادة «إن» حينئذ قياسية ، ولأن فيه سلامة من الإخبار بالزمان عن الجثّة ، ومن إثبات معنى واستعمال لـ «ما» لم يثبتا له ـ وهما كونها للزمان مجرّدة ، وكونها مضافة ـ وكأن الذي صرفهما عن هذا الوجه مع ظهوره أن ذكر «المرد» بعد ذلك لا يحسن ؛ إذ الذي لم ينبت شاربه أمرد ، والبيت عندي فاسد التقسيم بغير هذا ، ألا ترى أن العانسين ـ وهم الذين لم يتزوّجوا ـ لا يناسبون بقية الأقسام ، وإنما العرب محميّون من الخطأ في الألفاظ دون المعاني. ـ وفي البيت ـ مع هذا العيب ـ شذوذان : إطلاق العانس على المذكر ، وإنما الأشهر استعماله في المؤنث ، وجمع الصّفة بالواو والنون مع كونها غير قابلة للتاء ولا دالة على المفاضلة.
وإنما عدلت عن قولهم : «ظرفيّة» إلى قولي «زمانيّة» ليشمل نحو : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) [البقرة : ٢٠] ، فإن الزمان المقدّر هنا مخفوض ، أي : كل وقت إضاءة ، والمخفوض لا يسمّى ظرفا.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٥٧ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٥١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧١٥ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٣٨.
(٢) البيت من البسيط ، وهو لأبي قيس بن رفاعة في إصلاح المنطق ص ٣٤١ ، ولسان العرب ٦ / ١٤٩ مادة / عنس / ، ولأبي قيس بن رفاعة ، أو قيس بن الأسلت في الدرر ١ / ١٣١.
(٣) البيت من الطويل ، وهو للمعلوط القريعي في شرح التصريح ١ / ١٨٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٥ ـ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٨٧.