ولا تشارك «ما» في النيابة عن الزمان «أن» خلافا لابن جنّي ، وحمل عليه قوله [من الطويل] :
٣٣٠ ـ وتالله ما إن شهلة أمّ واحد |
|
بأوجد منّي أن يهان صغيرها (١) |
وتبعه الزمخشري ، وحمل عليه قوله تعالى : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) [البقرة : ٢٥٨] ، (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء : ٩٢] ، (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) [غافر : ٢٨] ، ومعنى التعليل في البيت والآيات ممكن ، وهو متّفق عليه ؛ فلا معدل عنه.
وزعم ابن خروف أن «ما» المصدريّة حرف باتّفاق ، وردّ على من نقل فيها خلافا ، والصّواب مع ناقل الخلاف ، فقد صرّح الأخفش وأبو بكر باسميّتها ، ويرجّحه أن فيه تخلّصا من دعوى اشتراك لا داعي إليه ؛ فإن «ما» الموصولة الاسمية ثابتة باتّفاق ، وهي موضوعة لما لا يعقل ، والأحداث من جملة ما لا يعقل ، فإذا قيل : «أعجبني ما قمت» قلنا : التقدير : أعجبني الذي قمته ؛ وهو يعطي معنى قولهم : أعجبني قيامك ؛ ويردّ ذلك أن نحو : «جلست ما جلس زيد» تريد به المكان ممتنع مع أنه مما لا يعقل ، وأنه يستلزم أن يسمع كثيرا «أعجبني ما قمته» لأنه عندهما الأصل ، وذلك غير مسموع ، قيل : ولا ممكن ، لأن «قام» غير متعدّ ؛ وهذا خطأ بيّن ، لأن الهاء المقدّرة مفعول مطلق لا مفعول به. وقال ابن الشجري : أفسد النحويّون تقدير الأخفش بقوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة : ١٠] فقالوا : إن كان الضمير المحذوف للنبيّ عليهالسلام ، أو للقرآن ، صحّ المعنى وخلت الصلة عن عائد ، أو للتّكذيب فسد المعنى ، لأنهم إذا كذبوا التكذيب بالقرآن أو النبي كانوا مؤمنين ، ا ه.
وهذا سهو منه ومنهم ؛ لأن كذبوا ليس واقعا على التكذيب ، بل مؤكّد به ، لأنه مفعول مطلق ، ولا مفعول به ، والمفعول به محذوف أيضا ، أي : بما كانوا يكذّبون النبي أو القرآن تكذيبا ونظيره : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) [النبأ : ٢٨].
ولأبي البقاء في هذه الآية أوهام متعدّدة ؛ فإنه قال : «ما» مصدرية صلتها «يكذّبون» ، و «يكذّبون» خبر «كان» ، ولا عائد على «ما» ؛ ولو قيل باسميّتها ، فتضمّنت مقالته الفصل بين «ما» الحرفية وصلتها بـ «كان» ، وكون يكذّبون في موضع نصب لأنه قدره خبر كان ، وكونه لا موضع له لأنه قدره صلة «ما» ، واستغناء الموصول الاسميّ عن عائد.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٧١٦.