حالا و (مِنْ) زائدة كما جاءت آيةحالا في (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) [الأعراف : ٧٣] والمعنى : أيّ شيء ننسخ قليلا أو كثيرا ؛ ففيه تخريج التنزيل على شيء إن ثبت فهو شاذّ ، أعني زيادة «من» في الحال ، وتقدير ما ليس بمشتق ولا منتقل ولا يظهر فيه معنى الحال حالا ، والتّنظير بما لا يناسب ؛ فإن (آيَةً) في (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) [الأعراف : ٧٣] بمعنى علامة لا واحدة الآي ، وتفسير اللفظ بما لا يحتمله ، وهو قوله قليلا أو كثيرا ، وإنما ذلك مستفاد من اسم الشرط لعمومه لا من آية.
ولم يشترط الأخفش واحدا من الشرطين الأوّلين ، واستدلّ بنحو : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [الأنعام : ٣٤] ، (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [الأحقاف : ٣١] ، (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الكهف : ٣١] ، (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) [البقرة : ٢٧١].
ولم يشترط الكوفيّون الأوّل ، واستدلّوا بقولهم : «قد كان من مطر» ، وبقول عمر بن أبي ربيعة [من المتقارب] :
٣٧٠ ـ وينمي لها حبّها عندنا |
|
فما قال من كاشح لم يضر (١) |
وخرّج الكسائي على زيادتها : «إنّ من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون» ، وابن جنّي قراءة بعضهم : (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) [آل عمران : ٨١] بتشديد «لمّا» ، وقال : أصله : لمن ما ، ثم أدغم ، ثم حذفت ميم «من».
وجوّز الزمخشري في (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) (٢٨) [يس : ٢٨] الآية ، كون المعنى ومن الّذي كنا منزلين ، فجوّز زيادتها مع المعرفة.
وقال الفارسيّ في (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) [النور : ٤٣] يجوز كون «من» و «من» الأخيرتين زائدتين ؛ فجوّز الزيادة في الإيجاب.
وقال المخالفون : التّقدير : قد كان هو ، أي : كائن من جنس المطر ، و «فما قال هو» أي : قائل من جنس الكاشح ، وإنه من أشد الناس أي إن الشأن ، ولقد جاءك هو أي جاء من الخبر كائنا من نبأ المرسلين ، أو ولقد جاءك نبأ المرسلين ثم حذف الموصوف ، وهذا ضعيف في العربيّة ، لأن الصفة غير مفردة ؛ فلا يحسن تخريج التنزيل عليه.
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ١٧٥ ، والجنى الداني ص ٣١٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٣٨.