وفسّرها غيره بـ «قد» خاصة ، ولم يحملوا «قد» على معنى التقريب ، بل على معنى التحقيق ؛ وقال بعضهم : معناها التوقع ، وكأنه قيل لقوم يتوقّعون الخبر عما أتى على الإنسان وهو آدم عليه الصلاة والسّلام ، قال : والحين زمن كونه طينا ، وفي تسهيل ابن مالك أنه يتعيّن مردافة «هل» لـ «قد» إذا دخلت عليها الهمزة يعني كما في البيت ؛ ومفهومه أنها لا تتعيّن لذلك إذا لم تدخل عليها ، بل قد تأتي لذلك كما في الآية ، وقد لا تأتي له ، وقد عكس قوم ما قاله الزمخشري ، فزعموا أن «هل» لا تأتي بمعنى «قد» أصلا.
وهذا هو الصّواب عندي ؛ إذ لا متمسك لمن أثبت ذلك إلا أحد ثلاثة أمور :
أحدها : تفسير ابن عباس رضياللهعنهما ، ولعلّه إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير ، وليس باستفهام حقيقيّ ، وقد صرح بذلك جماعة من المفسّرين ، فقال بعضهم : «هل» هنا للاستفهام التقريري ، والمقرّر به من أنكر البعث ، وقد علم أنهم يقولون : نعم ، قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه ، فيقال لهم : فالذي أحدث الناس بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم؟ وهو معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) (٦٢) [الواقعة : ٦٢] ، أي : فهلا تذكرون فتعلمون أنه من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد عدمه؟ انتهى.
وقال آخر مثل ذلك ، إلا أنه فسّر الحين بزمن التّصوير في الرحم ، فقال : المعنى ألم يأت على الناس حين من الدهر كانوا فيه نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن صاروا شيئا مذكورا. وكذا قال الزجّاج ، إلا أنه حمل الإنسان على آدم عليه الصلاة والسّلام ، فقال : المعنى ألم يأت على الإنسان حين من الدهر كان فيه ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح؟ ا ه.
وقال بعضهم : لا تكون «هل» للاستفهام التقريريّ ، وإنما ذلك من خصائص الهمزة ، وليس كما قال ، وذكر جماعة من النحويين أن «هل» تكون بمنزلة «إنّ» في إفادة التّوكيد والتّحقيق ، وحملوا على ذلك (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥) [الفجر : ٥] وقدّروه جوابا للقسم ، وهو بعيد.
والدليل الثاني : قول سيبويه الذي شافه العرب وفهم مقاصدهم ، وقد مضى أنّ سيبويه لم يقل ذلك.
والثالث : دخول الهمزة عليها في البيت ، والحرف لا يدخل على مثله في المعنى ، وقد رأيت عن السيرافي أن الرواية الصحيحة «أم هل» ، و «أم» هذه منقطعة بمعنى «بل» ؛