ابتداء ، ولهذا لا يجوز «أقام إلّا زيد» كما يجوز «هل قام إلا زيد» (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل : ٣٥] ، (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) [الزخرف : ٦٦]. وقد يكون الإنكار مقتضيا لوقوع الفعل ، على العكس من هذا ، وذلك إذا كان بمعنى : ما كان ينبغي لك أن تفعل ، نحو : «أتضرب زيدا وهو أخوك؟».
ويتلخّص أن الإنكار على ثلاثة أوجه : إنكار على من ادعى وقوع الشيء ، ويلزم من هذا النفي ؛ وإنكار على من أوقع الشيء ، ويختصّان بالهمزة ؛ وإنكار لوقوع الشيء ، وهذا هو معنى النفي ، وهو الذي تنفرد به «هل» عن الهمزة.
والعاشر : أنها تأتي بمعنى «قد» ، وذلك مع الفعل ، وبذلك فسّر قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان : ١] جماعة منهم ابن عباس رضياللهعنهما والكسائي والفرّاء والمبرّد قال في مقتضبه : «هل» للاستفهام ، نحو : «هل جاء زيد» ، وقد تكون بمنزلة «قد» ، نحو قوله جل اسمه : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان : ١] ا ه.
وبالغ الزّمخشري ، فزعم أنها أبدا بمعنى «قد» ، وأنّ الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدّرة معها ، ونقله في المفصل عن سيبويه ، فقال : وعند سيبويه أن «هل» بمعنى «قد» إلا أنهم تركوا الألف قبلها ؛ لأنها لا تقع إلّا في الاستفهام ، وقد جاء دخولها عليها في قوله [من البسيط] :
٤١٨ ـ سائل فوارس يربوع بشدّتنا |
|
أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم (١) |
ا ه. ولو كان كما زعم لم تدخل إلا على الفعل كـ «قد» ، وثبت في كتاب سيبويه رحمهالله ما نقله عنه ، ذكره في باب «أم» المتّصلة ، ولكن فيه أيضا ما قد يخالفه ، فإنه قال في باب عدّة ما يكون عليه الكلم ما نصه : و «هل» هي للاستفهام ، ولم يزد على ذلك. وقال الزمخشري في كشافه (هَلْ أَتى) [الإنسان : ١] أي : قد أتى ، على معنى التقرير والتقريب جميعا ، أي : أتى على الإنسان قبل زمان قريب طائفة من الزمان الطّويل الممتدّ لم يكن فيه شيئا مذكورا ، بل شيئا منسيّا نطفة في الأصلاب ، والمراد بالإنسان الجنس بدليل : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) [الإنسان : ٢] ا ه.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لزيد الخيل في ديوانه ص ١٥٥ ، والجنى الداني ص ٣٤٤ ، والدرر ٥ / ١٤٦ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٢٧.