والثالث : أن تكون بمعنى لام التعليل ، قال الخارزنجيّ ، وحمل عليه الواوات الدّاخلة على الأفعال المنصوبة في قوله تعالى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) [الشورى : ٣٤ ـ ٣٥] ، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (١٤٢) [آل عمران : ١٤٢] ، (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ) [الأنعام : ٢٧] ، والصواب أنّ الواو فيهنّ للمعيّة كما سيأتي.
والثاني والثالث من أقسام الواو : واوان يرتفع ما بعدهما.
إحداهما : واو الاستئناف ، نحو : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) [الحج : ٥] ، ونحو : «لا تأكل السّمك وتشرب اللبن» فيمن رفع ، ونحو : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) [الأعراف : ١٨٦] فيمن رفع أيضا ، ونحو : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) [البقرة : ٢٨٢] ، إذ لو كانت واو العطف لانتصب (نُقِرُّ) ولانتصب أو انجزم «تشرب» ، ولجزم (نُقِرُّ) كما قرأ الآخرون ، وللزم عطف الخبر على الأمر ، وقال الشاعر [من الطويل] :
٤٢٩ ـ على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى |
|
قضيّته أن لا يجور ويقصد (١) |
وهذا متعّين للاستتئناف ، لأن العطف يجعله شريكا في النفي ، فيلزم التناقض وكذلك قولهم : «دعني ولا أعود» لأنه لو نصب كان المعنى : ليجتمع تركك لعقوبتي وتركي لما تنهاني عنه ، وهذا باطل ؛ لأن طلبه لترك العقوبة إنما هو في الحال ، فإذا تقيّد ترك المنهيّ عنه بالحال لم يحصل غرض المؤدّب ، ولو جزم فإمّا بالعطف ولم يتقدّم جازم ، أو على أن تقدّر ناهية ، ويرده أن المقتضي لترك التأديب إنما هو الخبر عن نفي العود ، لا نهيه نفسه عن العود ، إذ لا تناقض بين النهي عن العود وبين العود بخلاف العود والإخبار بعدمه ، ويوضحه أنك تقول : «أنا أنهاه وهو يفعل» ولا تقول : «أنا لا أفعل وأنا أفعل معا».
والثانية : واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية ، نحو : «جاء زيد والشّمس طالعة» وتسمّى واو الابتداء ، ويقدّرها سيبويه والأقدمون بـ «إذ» ، ولا يريدون أنها بمعناها ؛ إذ لا يرادف الحرف الاسم ، بل إنها وما بعدها قيد للفعل السابق ، كما أن «إذ» كذلك ، ولم يقدرها بـ «إذا» لأنّها لا تدخل على الجمل الاسمية ، ووهم أبو البقاء في قوله تعالى :
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لأبي اللحام التغلبي في خزانة الأدب ٨ / ٥٥٥ وشرح المفصل ٧ / ٣٨ ، ولعبد الرحمن بن أم الحكم في الكتاب ٣ / ٥٦ ، ولأبي اللحام أو لعبد الرحمن في لسان العرب مادة / قصد /.