الثاني : أن تجويزه كون (لَتُؤْمِنُنَ) خبرا مع تقديره إيّاه جوابا لأخذ الميثاق يقتضي أن له موضعا ، وأنه لا موضع له ، وإنما كان حقّه أن يقدّره جوابا لقسم محذوف ، ويقدر الجملتين خبرا ؛ وقد يقال : إنما أراد بقوله : «اللام جواب القسم لأن أخذ الميثاق قسم» أن أخذ الميثاق دالّ على جملة قسم مقدّرة ، ومجموع الجملتين الخبر ، وإنما سمّي (لَتُؤْمِنُنَ) خبرا لأنه الدالّ على المقصود بالأصالة ، لا أنه وحده هو الخبر بالحقيقة ، وأنه لا قسم مقدر ، بل أخذ ميثاق النبيّين هو جملة القسم ، وقد يقال : لو أراد هذا لم يحصر الدليل فيما ذكره ؛ للاتفاق على أنّ وجود المضارع مفتتحا بلام مفتوحة مختتما بنون مؤكّدة دليل قاطع على القسم ، وإن لم يذكر معه أخذ الميثاق أو نحوه.
والثالث : أن تجويزه كون العائد ضمير «استقر» يقتضي عود ضمير مفرد إلى شيئين معا ؛ فإنه عائد إلى الموصول.
والرابع : أنه جوّز حذف العائد المجرور مع أنّ الموصول غير مجرور ، فإن قيل : اكتفى بكلمة «به» الثانية فيكون كقوله [من الكامل] :
٥٢١ ـ ولو أنّ ما عالجت لين فؤادها |
|
فقسا استلين به للان الجندل (١) |
قلنا : قد جوّز على هذا الوجه عود «به» المذكورة إلى الرسول ، لا إلى ما.
والخامس : أنه سمّي ضمير (آتَيْتُكُمْ) [آل عمران : ٨١] مفعولا ثانيا ، وإنما هو مفعول أول.
مسألة ـ زعم الأخفش في قوله [من الطويل] :
٥٢٢ ـ إذا قال: قدني ، قال : بالله حلفة |
|
لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا (٢) |
أنّ «لتغني» جواب القسم ، وكذا قال في : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) [الأنعام : ١١٣] لأن قبله (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) [الأنعام : ١١٢] الآية ، وليس فيه ما يكون (وَلِتَصْغى) معطوفا عليه ، والصواب خلاف قوله ؛ لأن الجواب لا يكون إلا
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للأحوص في ديوانه ص ١٦٧ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٩ ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٠.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لحريث بن عناب في خزانة الأدب ١١ / ٤٣٤ ، والدرر ٤ / ٢١٧ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٩.