وهو اختيار ابن عصفور ، وعند من منع تعدّده مختلفا بالإفراد والجملة ، وهو أبو علي ، وعند من منع وقوع الإنشاء خبرا ، وهم طائفة من الكوفيّين.
ومن الجمل ما يحتمل الإنشائيّة والخبريّة ، فيختلف الحكم باختلاف التقدير ، وله أمثلة :
منها : قوله تعالى : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) [المائدة : ٢٣] ، فإن جملة (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) تحتمل الدّعاء فتكون معترضة ، والإخبار فتكون صفة ثانية.
ويضعف من حيث المعنى أن تكون حالا ، ولا يضعف في الصناعة لوصفها بالظرف.
ومنها : قوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠] فذهب الجمهور إلى أن (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) جملة خبرية ، ثم اختلفوا ، فقال جماعة منهم الأخفش : هي حال من فاعل «جاء» على إضمار «قد» ، ويؤيده قراءة الحسن (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠].
وقال آخرون : هي صفة ؛ لئلّا يحتاج إلى إضمار «قد» ؛ ثم اختلفوا فقيل : الموصوف منصوب محذوف ، أي : قوما حصرت صدورهم ، ورأوا أن إضمار الاسم أسهل من إضمار حرف المعنى ؛ وقيل : مخفوض مذكور وهم قوم المتقدّم ذكرهم ؛ فلا إضمار ألبتة ، وما بينهما اعتراض ؛ ويؤيّده أنه قرىء بإسقاط (أو) ، وعلى ذلك فيكون (جاؤكم) صفة لـ «قوم» ، ويكون (حصرت) صفة ثانية ، وقيل : بدل اشتمال من (جاؤكم) لأن المجيء مشتمل على الحصر ، وفيه بعد ، لأن الحصر من صفة الجائين ؛ وقال أبو العباس المبرد : الجملة إنشائيّة معناها الدّعاء ، مثل : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [المائدة : ٦٤] فهي مستأنفة ، وردّ بأن الدعاء عليهم بضيق قلوبهم عن قتال قومهم لا يتّجه.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] فإنه يجوز أن تقدّر «لا» ناهية ونافية ، وعلى الأول فهي مقولة لقول محذوف هو الصّفة ، أي : فتنة مقولا فيها ذلك ، ويرجّحه أنّ توكيد الفعل بالنون بعد «لا» الناهية قياس ، نحو : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) [إبراهيم : ٤٢] ، وعلى الثاني فهي صفة لـ «فتنة» ، ويرجّحه سلامته من تقدير.
القيد الثاني : صلاحيّتها للاستغناء عنها ، وخرج بذلك جملة الصّلة ، وجملة الخبر ، والجملة المحكيّة بالقول ، فإنها لا يستغنى عنها ، بمعنى أن معقوليّة القول متوقّفة عليها وأشباه ذلك.
القيد الثالث : وجود المقتضى ، واحترزت بذلك عن نحو : (فَعَلُوهُ) من قوله