الخامس : أنه لا يكون فعلا تابعا لفعل ، بخلاف البدل ، نحو قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) [الفرقان : ٦٨ ـ ٦٩].
السادس : أنه يكون بلفظ الأول ، ويجوز ذلك في البدل بشرط أن يكون مع الثاني زيادة بيان ، كقراءة يعقوب : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) [الجاثية : ٢٨] بنصب «كل» الثانية ؛ فإنها قد اتّصل بها ذكر سبب الجثوّ ، وكقول الحماسي [من الطويل] :
٥٨٣ ـ رويد بني شيبان بعض وعيدكم |
|
تلاقوا غدا خيلي على سفوان (١) |
٥٨٤ ـ تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى |
|
إذا ما غدت في المأزق المتداني |
٥٨٥ ـ تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم |
|
على ما جنت فيهم يد الحدثان |
وهذا الفرق إنّما هو على ما ذهب إليه ابن الطّراوة من أن عطف البيان لا يكون من لفظ الأول ؛ وتبعه على ذلك ابن مالك وابنه ، وحجّتهم أن الشيء لا يبيّن نفسه ؛ وفيه نظر من أوجه :
أحدها : أنه يقتضي أن البدل ليس مبيّنا للمبدل منه ، وليس كذلك ، ولهذا منع سيبويه «مررت بي المسكين ، وبك المسكين» دون «به المسكين» ، وإنما يفارق البدل عطف البيان في أنه بمنزلة جملة استؤنفت للتّبيين ، والعطف تبيين بالمفرد المحض.
والثاني : أن اللفظ المكرّر إذا اتّصل به ما لم يتّصل بالأول كما قدّمنا اتّجه كون الثاني بيانا بما فيه من زيادة الفائدة ؛ وعلى ذلك أجازوا في نحو قوله [من الرجز] :
٥٨٦ ـ يا زيد زيد اليعملات الدّبّل |
|
[تطاول الليل عليك فانزل](٢) |
و [من البسيط] :
٥٨٧ ـ يا تيم تيم عديّ ، لا أبا لكم ، |
|
لا يلقينّكم في سوأة عمر (٣) |
إذا ضممت المنادى فيهما.
__________________
(١) الأبيات من البحر الطويل ، وهي لوداك بن ثميل المازني في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٢٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢١.
(٢) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٠٢ ، والدرر ٦ / ٢٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٣.
(٣) البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢١٢ ، والأزهية ص ٢٣٨ ، والأغاني ٢١ / ٣٤٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٨ ، والدرر ٦ / ٢٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٢.