إذ المعنى : شرّ أيّ شرّ ، وقدر لا يغالب ، والثالث نحو : «رجيل جاءني» ، لأنه في معنى : رجل صغير ، وقولهم : «ما أحسن زيدا» لأنه في معنى : شيء عظيم حسّن زيدا ؛ وليس في هذين النوعين صفة مقدّرة فيكونان من القسم الثاني.
والثاني : أن تكون عاملة : إما رفعا ، نحو : «قائم الزّيدان» عند من أجازه ، أو نصبا ، نحو : «أمر بمعروف صدقة» ، و «أفضل منك جاءني» ، إذ الظرف منصوب المحل بالمصدر والوصف ؛ أو جرّا ، نحو : «غلام امرأة جاءني» ، و «خمس صلوات كتبهنّ الله» ؛ وشرط هذه : أن يكون المضاف إليه نكرة كما مثّلنا ، أو معرفة والمضاف مما لا يتعرّف بالإضافة ، نحو : «مثلك لا يبخل» ، و «غيرك لا يجود». وأما ما عدا ذلك فإن المضاف إليه فيه معرفة لا نكرة.
والثالث : العطف بشرط كون المعطوف أو المعطوف عليه مما يسوغ الابتداء به ، نحو : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١] ، أي : أمثل من غيرهما ، ونحو : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) [البقرة : ٢٦٣] ؛ وكثير منهم أطلق العطف وأهمل الشرط ، منهم ابن مالك ، وليس من أمثلة المسألة ما أنشده من قوله [من الطويل] :
٦٠٤ ـ عندي اصطبار وشكوى عند قاتلتي |
|
فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا (١) |
إذ يحتمل أن الواو هنا للحال ، وسيأتي أن ذلك مسوّغ ؛ وإن سلّم العطف فثمّ صفة مقدّرة يقتضيها المقام ، أي : وشكوى عظيمة ، على أنّا لا نحتاج إلى شيء من هذا كله ؛ فإن الخبر هنا ظرف مختص ، وهذا بمجرده مسوّغ كما قدّمنا ، وكأنه توهّم أن التسويغ مشروط بتقدّمه على النكرة ؛ وقد أسلفنا أن التّقديم إنما كان لدفع توهّم الصفة ، وإنما لم يجب هنا لحصول الاختصاص بدونه ، وهو ما قدّمناه من الصفة المقدّرة ، أو الوقوع بعد واو الحال ؛ فلذلك جاز تأخّر الظرف كما في قوله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام : ٢].
فإن قلت : لعلّ الواو للعطف ، ولا صفة مقدّرة ؛ فيكون العطف هو المسوّغ.
قلت : لا يسوغ ذلك ، لأن المسوغ عطف النكرة ، والمعطوف في البيت الجملة لا النكرة.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١١٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٦٣.