الثالث : الاستعلاء ، نحو : (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [القصص : ٣٢] وقول ذي الأصبع [من البسيط] :
١٩ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب |
|
عنّي ، ولا أنت دياني فتخزوني |
أي : لله درّ ابن عمّك لا أفضلت في حسب عليّ ولا أنت مالكي فتسوسني ، وذلك لأن المعروف أن يقال : «أفضلت عليه» قيل : ومنه قوله تعالى : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) [ص : ٣٢] ، أي : قدّمته عليه ، وقيل : هي على بابها ، وتعلّقها بحال محذوفة ، أي منصرفا عن ذكر ربي ؛ وحكى الرماني عن أبي عبيدة ...
______________________________________________________
(والثالث : الاستعلاء نحو : (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [محمد : ٣٨]) أي : على نفسه ويحتمل التضمين ، والمعنى فإنما يبعد الخير عن نفسه بالبخل ، أو فإنما يصدر البخل عن نفسه لأنها مكان البخل ومنبعه (و) نحو (قول ذي الأصبع) بصاد وعين مهملة واحد الأصابع :
(لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب |
|
عني ولا أنت دياني فتخزوني (١) |
أي لله در ابن عمك) فحذف اللامين الجارة والأخرى شذوذا ، والدر في الأصل مصدر در اللبن يدر درا ويسمى اللبن درا ، وقيل : أريد بالدر في مثله الخير ؛ فإنهم كانوا يعتقدون أن اللبن منشأ لكل خير ؛ لأنه من غالب أقواتهم وكانوا يسقونه الخيل ويقرون به الصيفان (لا أفضلت في حسب) وهو ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه أو هو الدين (عليّ ولا أنت مالكي) وهذا تفسير دياني (فتسوسني) وهذا تفسير تخزوني بالخاء المعجمة والزاي ، وذلك الذي قلناه من أن عن في البيت بمعنى على ؛ (لأن المعروف أن يقال أفضلت عليه) بمعنى علوت عليه في الفضل ، ويحتمل التضمين بأن يكون المعنى لا تجاوزت في الفضل عني (قيل : ومنه (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) [ص : ٣٢] أي قدمته عليه) وهذا فيه جمع بين تضمين أحب معنى الإيثار والتقديم ، وجعل عن بمعنى على وهو بعيد (وقيل هي) : أي عن المذكورة في الآية (على بابها) للمجاوزة وليست للاستعلاء (وتعلقها بحال محذوفة أي منصرفا من ذكر ربي ، وحكي الرماني عن أبي عبيدة)
__________________
(١) البيت من البحر البسيط ، وهو لذي الإصبع العدواني في أدب الكاتب ص ٥١٣ ، والأزهية ص ٢٧٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٣ ، وأوضح المسالك ٣ / ٤٣. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٨ / ٢٣٩.