رجع القول إلى المجزوم ـ وقال به الفارسيّ في قراءة قنبل : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ) [يوسف : ٩٠] بإثبات الياء في (يَتَّقِي) وجزم (وَيَصْبِرْ ،) فزعم أن «من» موصولة ، فلهذا ثبتت ياء «يتّقي» ، وأنها ضمّنت معنى الشرط ، ولذلك دخلت الفاء في الخبر ؛ وإنما جزم (وَيَصْبِرْ) على توهّم معنى «من» ؛ وقيل : بل وصل (وَيَصْبِرْ) بنيّة الوقف كقراءة نافع (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) [الأنعام : ١٦٢] بسكون ياء (وَمَحْيايَ) وصلا ؛ وقيل : بل سكّن لتوالي الحركات في كلمتين كما في (يَأْمُرُكُمْ) [البقرة : ١٦٩] و (يُشْعِرُكُمْ) [الأنعام : ١٠٩] ، وقيل : «من» شرطية ، وهذه الياء إشباع ، ولام الفعل حذفت للجازم ، أو هذه الياء لام الفعل ، واكتفى بحذف الحركة المقدّرة.
وأما المرفوع فقال سيبويه : واعلم أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون : «إنهم أجمعون ذاهبون ، وإنك وزيد ذاهبان» ، وذلك على أن معناه معنى الابتداء ، فيرى أنه قال هم ، كما قال [من الطويل] :
٦٢٣ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ، |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (١) |
ومراده بالغلط ما عبر عنه غيره بالتوهّم ، وذلك ظاهر من كلامه ؛ ويوضحه إنشاده البيت ؛ وتوهم ابن مالك أنه أراد بالغلط الخطأ فاعترض عليه بأنا متى جوّزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم ، وامتنع أن نثبت شيئا نادرا لإمكان أن يقال في كل نادر : إن قائله غلط.
وأما المنصوب اسما فقال الزمخشري في قوله تعالى : (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) [هود : ٧١] فيمن فتح الباء ؛ كأنه قيل : ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، على طريقة قوله [من الطويل] :
٦٢٤ ـ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة |
|
ولا ناعب إلّا ببين غرابها (٢) |
ا ه. وقيل : على إضمار «وهبنا» ، أي : ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب ، بدليل (فَبَشَّرْناها) [هود : ٧١] ، لأن البشارة من الله تعالى بالشيء في معنى الهبة ، وقيل : هو
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٨٧ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٢ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٩٢ ، والدرر ٦ / ١٦٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٨٢.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للأخوص (أو الأحوص) الرياحي في الإنصاف ص ١٩٣ ، والحيوان ٣ / ٤٣١ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٥٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٨٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٧١.