على سرّ ، أي : نكاح ، (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٥٠] ، أي : عن أمره ، (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) [التوبة : ٥] ، أي : عليه ؛ وقول الزجّاج : «إنه ظرف» ، ردّه الفارسيّ بأنه مختصّ بالمكان الذي يرصد فيه ؛ فليس مبهما ، وقوله [من الكامل] :
٦٨٥ ـ [لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه |
|
فيه] كما عسل الطّريق الثّعلب (١) |
أي : في الطريق ، وقول ابن الطراوة : «إنه ظرف» مردود أيضا بأنه غير مبهم ؛ وقوله : إنه اسم لكل ما يقبل الاستطراق فهو مبهم لصلاحيّته لكل موضع منازع فيه ، بل هو اسم لما هو مستطرق.
ولا يحذف الجار قياسا إلا مع «أنّ» و «أن» ؛ وأهمل النحويون هنا ذكر «كي» مع تجويزهم في نحو : «جئت كي تكرمني» أن تكون «كي» مصدرية ، واللام مقدّرة والمعنى : لكي تكرمني. وأجازوا أيضا كونها تعليليّة و «أن» مضمرة بعدها. ولا يحذف مع «كي» إلّا لام العلة ؛ لأنها لا يدخل عليها جارّ غيرها ، بخلاف أختيها. قال الله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) [البقرة : ٢٥] ، (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨] ، أي : بأنّ لهم ، وبأنه (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧] ، أي : في أن ، أو : عن ، على خلاف في ذلك بين المفسّرين ، ومما يحتملهما قوله [من الطويل] :
٦٨٦ ـ ويرغب أن يبني المعالي خالد |
|
ويرغب أن يرضى صنيع الألائم (٢) |
أنشده ابن السيّد ، فإن قدّر «في» أولا و «عن» ثانيا فمدح ، وإن عكس فذمّ ، ولا يجوز أن يقدّر فيهما معا «في» أو «عن» ، للتناقض.
ومحلّ «أنّ» و «أن» وصلتهما بعد حذف الجارّ نصب عند الخليل وأكثر النحويين ، حملا على الغالب فيما ظهر فيه الإعراب مما حذف منه ؛ وجوّز سيبويه أن يكون المحلّ جرّا ، فقال بعد ما حكى قول الخليل : ولو قال إنسان إنه جرّ لكان قولا قويا ، وله نظائر نحو قولهم : «لاه أبوك» ، وأما نقل جماعة منهم ابن مالك أن الخليل يرى أن الموضع جرّ وأن سيبويه يرى أنه نصب فسهو.
ومما يشهد لمدّعي الجر قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١٨)
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو لساعدة بن جؤبة الذلي في تخليص الشواهد ص ٥٠٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٨٣ ، والدرر ٣ / ٨٦ ، وشرح أشعار الهذليين ص ١١٢٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٨٥.
(٢) البيت من الطويل ، ولم أجده.